٢٠٠٩/٠٤/٢٢

هنا استعادة لفيلم مقتبس عن قصة حقيقية لقاتلة تدعى آيلين ورنوز و عن ذلك الاداء المميز للممثلة شارليز ثيرون في أول فيلم للمخرجة باتي جينكينز


تميزت آيلين ورنوز عن غيرها من المجرميين ذوي الجرائم المتسلسلة في كونها امرأة مارست القتل لاسباب متعددة ضد الجنس الآخر و أصبحت واحدة من العديد من الشخصيات التي مازالت ماثلة في كينونة "تراجيديا الضواحي " .

هي آيليين ورنوز التي نطقت أمام محكمة الجزاء العليا بجرائمها المتسلسلة ضد سبعة رجال في فترة امتدت ما بين ١٩٨٩ و ١٩٩٠ في ولاية فلوريدا. كانت حجتها أن هؤلاء الرجال اغتصبوها خلال عملها كمموس و أنها غير نادمة على فعلتها معترفةً أنها قتلتهم بدم بارد. هذا و قد جاءت رسالتها معبرة بوضوح أمام المحكمة عن مدى غضبها : " كنت تحت وقع الغضب الذي كان يزداد اشتعالاً، و لعدة سنوات ، ولو اتيح الامر لي لكان من الطبيعي أن أقتل مجدداً و بكراهية خالصة كما فعلت بهؤلاء الرجال".

اشتهرت آيلين أيها شهرة و تدافعت المنظمات النسائية لتقديم الحجج ضد الحكم باعدامها ، لكن المحكمة العليا أصدرت حكمها النهائي بالاعدام ( تم تثبيت عقوبة الاعدام مجدداً عام ١٩٧٦) في ولاية فلوريدا في التاسع من أكتوبر ٢٠٠٢ عن طريق الحقنة السامة بالوريد. في حين و على مقربة من الحدث التاريخي كانت باتي جينكينز منشغلة بكتابة سيناريو فيلمها حول آيليين.

أرادت المخرجة كتابة سيناريو " الوحش" (Monster. 2003)، بكل عزيمة بسبب احتوائة لجميع عناصر النجاح و لكون هذا الفيلم يشكل الفرصة السانحة لتثبيت مدى جدارتها كمؤلفة و مخرجة في أول فيلم لها، لدي تخرجها من المعهد الامريكي للسينما، وكان لها ما تريد. تقول باتي جينيكينز عن تلك التجربة الاولى في كتابة السيناريو أنه لم يكن يجول في بالها أثناء الكتابة أي من الممثلين سوى صورة وحيدة للممثلة شارليز ثيرون (Charlize Theron) في الدور الرئيسي . و ما أن وصل السيناريو الى مسامع البعض حتى اكتمل نصاب الممثلين . الميزانية المتواضعة للفيلم، أسهم المنتج مارك دايمون في تأمين تكاليفها عبر عدد من المساهمين الذين آمنوا بقوة الفيلم في احداث الصدى المرجو .

و هكذا استطاعت المخرجة جمع أكبر قدر ممكن من المواد المختلفة لكتابة السيناريو. جله تم جمعه من الافلام الوثائقية ، الريبورتاجات التلفزيونية ، وثائق التحقيق، المقالات الصحفية ، بيانات المحكمة و أهمها حكايات الرسائل المتبادلة ما بين آيلين و صديقتها القديمة ، دون بوتكينز. فغداة الاعلان عن توقيف آيلين ورنوز ، تنبهت ، دون بوتكينز، لصديقتها التي انقطعت أخبارها منذ أمد طويل و قمنا بتبادل الرسائل لمدة الاثنتى عشرة سنة الى حين تطبيق عقوبة الاعدام في أواخر ال ٢٠٠٢ . و مع اصرار المخرجة جينكينز ، سمحتا لها بالاطلاع على تلك الرسائل . و حين أتى اليوم الذي وقف أقرباء الضحايا لمشاهدة عقوبة اعدام آيلين ، تسرب الاسى الى بوتكينز.


Charlize Theron

بالعودة الى الممثلة القديرة شارليز ثيرون ، التي حصدت جائزة الاوسكار كأفضل ممثلة عن هذا الدور، قدمت دوراً بمنتهى القوة tour de force ، حتى كاد الجمهور يظن أن آيلين ورونوز قد عادت من قبرها لاعادة تمثيل جرائمها. شارليز ثيرون بدورها قامت على دراسة متأنية للسيرة ورنوز الذاتية حتى تعمقت بشخصيتها و اقتنعت بالتحدي الذي قد يخلقه هذا الدور، كتجسيد لحالة الاداء الافتراضي حين يخرج الممثل من شخصيته و يدخل في تلك المراد تجسيدها أمام العدسة ، وهذا اقتباس من مدرسة ستاينسلافسكي حيث يُقدم الممثل على معايشة الدور مظهراً وجدانية و مشاعر الشخصية مبقياً نفسه على مسافة واحدة من الشخصية الحقيقية. شارليز ثيرون أخذت من تلك المدرسة و نفخت من روح كريسمتها فيها.

هذا مع العلم أن مسار الفيلم لا يقدم تعاطفاً كلياً مع شخصية آيلين مفضلاً اظارها على حقيقتها مع الاضائة على بعض الجوانب القاسية في حياتها، و شارليز ثيرون تجسد الشرائح المختلفة و المعقدة لتلك الشخصية في لحظاتها الضعيفة و المأثرة و تلك القاسية و العنيفة. أما من ناحية متطلبات الدور، فقد لزم على شارليز ثيرون زيادة وزنها، و الخضوع لتمارين جسدية قاسية ، و قبل بدأ التصوير نال المكياج من ملامح الوجه ، الانف ، الاسنان و الشعر ، و تحولت الى شخص آيلين بكل ما بدت عليه ، جسدياً و لغوياً، لدي بدأ اشارة التصوير.

قصة الفيلم تبدأ كقصة حب بين عشيقتين . تلتقي آيلين (شارليز ثيرون) ب سيلبي (كريستينا ريتشي . و هي نجمة الافلام المستقلة الامريكية بامتياز و تعبر عن جيل هيبستر التسعينات ) ، و هي شابة قليلة التجارب و ساذجة . يقررن المضي سويةً بعلاقتهما مهما تطلب الامر من مصاعب . الحالة المتشظفة لطبقة العمالة المتدنية الاجر في بقاع السوبربيا الامريكية ، تنتمي اليها كل من آيلين و سيلبي في علاقة حب يشوبها المغامرة و التمرد على واقع صعب. لدي سيلبي رغبات مادية جمعة تدفع ب آيلين للعمل كمموس على الطريق لتوفير بدائل العيش. لكن مهنة آيلين محفوفة بالمتاعب، فما أن تلتقي بأول زبائنها حتى ينهال عليها بضرب ماسوتشي يفقدها وعيها ، مشبعاً جسدها اغتصاب و حقد دفين. لكنها تستعيد و عيها و ترُد باطلاق الرصاص عليه ليلاقي حتفه . تسلبه محفظته و سيارته و تنسحب من المشهد على عجالة ، و تتوارى وصديقتها سيلبي عن الانظار في أحد الفنادق الرخيصة. هذه الحادثة تولد شعوراً صاخباً داخل آيلين و تقرر أن لا تكون الضحية بل الجلاد. و هكذا تتوالى حوادث القتل المتعمد ضد رجال ارادوا افراغ كبتهم الجنسي مع مموس خطرة سرعان ما ينقلب الى كابوس قاتل. و كلما نالت من ضحاياها حصدت ما في جعبتهم من غنائم ارضاءاً لمحبويتها. لكن ضحاياها ليس جلهم من المهوسين بالجنس الرخيص، بل أن احدهم يقدم خدماته من دون مقابل، وهذا الشيء لم يعد يشكل نازعاً للشفقة، فقد باتت آيلين غير قادرة عن التفريق بين الصالح و الطالح و أصبح جميعهم كالوحوش بالنسبة لها. و عند آخر جرائمها يفتضح أمرها لدي المحققين اثر تنازل صديقتها سيلبي عنها و تقع في مكيدتهم.


شهدت السينما على مرور الازمنة تلك الاثارة البارزة لافلام المجرمين ذوي الجرائم المتسلسلة و المترابطة فيما بينها. المحققين (يغيب دورهم في هذا الفيلم لان التركيز مخلص للشخصية) يتابعون خيوط الجريمة و ما يتركه المجرم المحترف من أدلة و اساليب قتل يسعون عبرها لفك لغزها و الوصول للمجرم قبل صقوط المزيد من الضحايا - في كتابتي لهذه السطور ترتسم في مخيلتي مشهد القاتل المهوس في " صمت الحملان " ( ١٩٩١) متراقصاً أمام صيحات ضحاياه داخل القبو المعتم - لكن آيلين تنتمي الى الفئة الاخرى من المجرمين المتسلسلين ( الغير محترفين) . فهي مدفوعة بفعل ظروف قاسية و سقوط نفسي رهيب، لارتكاب جرائم فادحة بحق رجال تم اختصارهم جميعاً في صورة معتدي متوحش (و قد تعود ايضاً لطفولة مجروحة بفعل العنف الاسري و التحرش الجنسي المتواصل) خلف لديها عقدة الانتقام من دون تميز. المخرجة لم تقدم الفيلم كنسخة متسامحة مع تلك الشخصية ، بل قدمتها من كافة نواحيها و قد يكون عنوان الفيلم يحمل جزءاً من تلك الفكرة... فتلك اللحظة التي يستجدي فيها أحد الضحايا الرحمة ، تصرخ آيلين بمرارة غير مصغيةً لندائه و تسكته بدمٍ بارد. و في المقلب الآخر، كان بعض الرجال من المستسهلين الجنس السريع و الرخيص على جانب الطريق، غير عابئين لعواقب ما قد تؤول اليه الامور من مخاطر. فيما بعد أتى رفض الاقرار من قبل أقارب الضحايا في حيثية أن يكون أزواجهم من مريدي الهوى.

و هكذا أتى فيلم " الوحش" و قعه قوياً على الجمهور الواسع محققاً الكثير من النجاح و محرزاً جائزة مستحقة لممثلته شارليز ثيرون و مقدماً مخرجته باتي جينكينز و قد قفزت الى سلم الشهرة و بدا فاتحةً لاعمال أخرى . و في الوقت ذاته بقيت صورة آيلين ورنوز ماثلةً أمام أعين المشاهدين الذين تعاطفوا معها تارةً و استشاطوا غضباً من جرائمها تارةً أخرى.


٢٠٠٩/٠٤/١٢

المصارع و عبقرية ميكي رورك



يبدأ شريط " المصارع" (The Wrestler. 2008) بعرض صور لايام زاهية للمصارع راندي الملقب ب "The Ram " الذي كان لامعاً أثناء الثمانينات كبطل المصارعة الحرة بدون منازع ، و عند انتهاء تلك الافتتاحية نتابع راندي يمشي مديراً ظهره لنا و قد بدا عليه الكبر ، يتفق راندي مع أحد المصارعين حول تمثيلية المصارعة لاحداث أكبر قدر من الحماسة لدي الجمهور ، ثم نتابعه يعود الى منزله ليجده موصداً بالقفل و نعلم انه قد تأخر عن دفع الايجار لان المبلغ الذي يتقاضاه لم يعد كافياً لتسديد حاجياته. ولان المصارعة لم تعد تدر ربحاً سريعاً ، يعمد راندي خلال الاسبوع الى العمل في أحد المتاجر في نقل البظائع وسط سخرية مديره منه.

راندي رجل محطم يعاني الوحدة الاليمة و لايجد نفسه قادراً على فعل أي شيء أخر سوى المصارعة، كعشق حياته . بعد مباراة قاسية ينال الزجاج المتحطم، الحديد، و المسامير من جسده المدمى . جسد مليىء بالنتوئات و أدوية المقويات و ترهل الايام ، الجسد متعة الجماهير المتعطشة للعنف و غزارة الدماء و تراطم الاجسدة فوق الحلبة ( لعل حرفية الكاتب شاك باللنكي -Chuck Palahniuk- في وصف تحطم الاجسدة في روايته "نادي المصارعة" (Fight Club)، المقتبسة لفيلم ديفيد فنشر تحت نفس العنوان، يعد خير تعبير عن الازمة التي يعانيها الرجل جسدياً و عاطفياً في الوقت المعاصر ) ، ينهار راندي و ينقل الى المستشفى للعلاج ، و تأتي نصيحة الدكتور بالابتعاد عن كل مجهود قد يظر بقلبه الضعيف . لكن هل أوجاع القلب ناتجة عن كل ذلك ؟ أم أن الآلم النفسية لراندي أكثر ايلاماً ؟

راندي يتردد على نادي ليلي لراقصات الستربتيز ، و تراه منجذباً ناحية كاسيدي (ماريسا تومي) ، راقصة الستربتيز ، لكن كاسيدي غير قادرة على الاخلال بعقدها لناحية العلاقة مع زبائنها ، لكن راندي يستطيع اختراق هذا الحاجز للوصول الى الخروج معها لكن ذلك لا يعمر طويلاً، و من ناحية أخرى يحاول راندي اعادة العلاقة المنقطعة لسنوات مع ابنته ستيفاني (ايفان رايتشل وود) التي لا تتخيله بقربها، و يحاول ارضائها و استمالتها لجانبه...

المخرج دارين أرنوفسكي ، صاحب العديد من الافلام المصبوغة بطابع حزين و مأساوي ينسج حكايات لشخصيات معقدة و متخمة بالجراح سواءاً في باي (Pi. 1998) ، انتقالاً الى اختبار القدرة البشرية على تحمل اعباء الدمار المتولد عن تعاطي المخدرات و تأثيرها على حياة أربعة أشخاص في " قداس من أجل حلم" (Requiem for a Dream. 2000) ، و قصص الحب و الموت و الروحانيات في "النافورة" (The Fountain. 2006)، يستمد أرنوفسكي قصصه منها ليولد تلك الشخصية التي يأديها ميكي رورك ببراعة متناهية و كأن الدور اسقاط حتمي لذلك الممثل الذي سطع نجمه في الربع الاول من الثمانينيات في عدة أفلام ، و هو الاتي الى السينما كملاكم محترف ، لكن سلوكه و تصرفاته لم تجلب له سوى المتاعب مع المنتجين ، و سرعان ما خفت نجمه، الى أن عاد مجدداً مع المخرج روبرت رودريغاس في " مدينة الاثم " (Sin City. 2005). علماً أن ما أن تبادرت الى مسامعه فكرة الفيلم حتى قبل الدور على مضض و من دون أن يتقاضى أجراً مقابله . و هذا الدور رشحه للاوسكار كأفضل ممثل لكن الجائزة ذهبت الى شان بين و قد حصل على عدة جوائز في عدة مهرجانات أخرى كأفضل ممثل و ماريسا تومي كأفضل ممثلة مساعدة.


ميكي رورك يجسد شخصية راندي بشكل عبقري ، يدخل في صلب الشخصية و يخرج بجسد يلهث خلف العيش الكريم. كمشاهد تتألم لحاله و يعتصر قلبك حزناً عندما ترى دموعه تتكسر على محياه أمام ابنته على شاطيء مدينة نيو جرسي الباردة ، تشعر بدقات قلبه و تغدو خلفه يتنفس و تحس بثقله - تصميم الصوت متقن جيداً من قبل مصمم الصوت، براين اميريك، بحيث يأتي الى مسامعك ثقل لهاثه بشكل واضح .
الكاميرة المحمولة تأخد اللقطات باسلوب الفيلم الوثائقي و لا تبرح تغادره . تتابع خطواته من حلبة المصارعة الى بيته الى عمله في المتجر حيث يخدم الزبائن و الى النادي الليلي حيث يقظي وقته.

راندي يذهب الى تجمع المصارعين القدامى ليقدم تواقيعه الى من تبقى من المعجبين ، و هناك يرى مدى قسوة الحياة على رفاقه المرهقين و يتبادر الى ذهنه انه لا يريد أن يغدو كحالهم و أن عليه مقارعة القدر. هذه اللحظة معبرة بشكل لافت و تشي بالكثير لجيل مرهق أعيته الايام بقساوتها و أو صلته الى ما وصلت اليه اليوم من تكسر و خيبات و أوجاع نفسية و جسدية.

الموسيقى المواكبة للفيلم تشحن الاجواء بمزيد من السوداوية و لعل الفضل يعود لاداء الموسيقي البريطاني كلينت مانسيل (Clint Mansell) ، الذي عمل سابقاً مع أرنوفسكي في وضع الموسيقى الرائعة لفيلم "قداس من أجل حلم" ، في تسخير الموسيقى كخلفية للتابع الاحداث و اضفاء ايقاع بسيط و ملائم لاجواء الفيلم.

ومن المؤكد أن المخرج دارين أرنوفسكي قد عزز رصيده الفني رغم قلة ميزانية "المصارع" ، بعد فشل فيلمه السابق "النافورة" ، و استطاع أن يصل بقوة الى قلوب المشاهدين عبر ميكي رورك في و احد من أجمل أدواره في فيلم من الصعب تخيله من دونه.



٢٠٠٩/٠٤/١٠

و أخيراً جاء الوقت لعرض فيلم " المصارع" (The Wrestler) في صالات العرض ببيروت بعد تأخره بعض الشيء . لعل الموزع فضل التريث قليلاً قبل عرضه أم أن عملية الحصول على عرض الفيلم تأتي ضمن أولوية العروض. على كل حال ، يبقى العرض في صالة السينما من أجمل اللحظات التي استمتع فيها و خصوصاً اذا كانت الكراسي مريحة و صالة العرض مجهزة بتقنية الصوت و الشاشة ذات الحجم الكبير . و أهم شيء ابتعاد المتحذلقين و المثرثرين ( وحتى لا ننسى اجهزتهم الخليوية التي أكره و جودها بشدة في صالة العرض) اثناء عرض الفيلم .
مشاهدة اي فيلم في صالة العرض محكومة بطقوس على الجميع احترامها و هي كممارسة التأمل على ايقاع موسيقى هادئة تأخذك بعيداً عن عالمك لبرهة من الزمن.

٢٠٠٩/٠٤/٠٨

آرثر شميت و التوليف المخفي


Arthur Shmidt

آرثر شميت ، اسم لامع في حقل المونتاج (Film editing) ، حصد جائزة الاوسكار مرتين عن "فورست غمب " (Forest Gump. 1994) و " من الذي تتبع روجر رابت " (Who Framed Roger Rabbit. 1988) .

عندما طرحت مجلة "سينياست" السؤال التالي : هل تؤمن أن توليف الفيلم يجب أن يكون " مخفي" أو "مرئي " للمشاهد ؟ و لماذا ؟ في تعبير آخر ، هل تؤمن أن مهمتك الاساسية هي خلق مشهدية متجانسة لدعم المسار الروائي أم أنك تؤمن بوجود اساليب أخرى للمونتاج ؟

و كان جوابه كالتالي : " أعتقد أن التوليف عليه أن يكون مخفي عن المشاهد . كل ما أرغب به هو أن أخبر القصة عن طريق المشهد من دون أن يلاحظ المشاهد هذه التقنية. و معظم المشاهدين العاديين لا يلاحظون ما نفعل. يعتقدون بأننا قصرنا الفيلم و الباقي حدث عبر الكاميرا. و كل ما هناك من اسلوب يجب ببساطة أن ينتج عن هذه المادة. كل مشهد مختلف و لديه متطلبات مختلفة. أحياناً ترغب في أن يكون للتوليف ، اخذاً بالحسبان طبيعة المشهد ، أن يكون قوياً ، مفعم بالمشاعر ، ذو وقع دراماتيكي و تريد أن يتفاعل المشاهد معه ، و لكني لا أريده أن يرى كيف أصنع ذلك . أسعى لأن تكون صحيحة من دون أن يكون لدي المشاهد احساس أنه اسُتّغل، و هذه كلمة أكره استعمالها لوصف التوليف. اللحظة التي اشعر انني "استغل" المادة ، أتراجع. أريدها حقاً أن تكون صادقة ، بسيطة و ذات دافع .

عندما أنتهي أريد أن يبدو الفيلم كما لو أنه صنيعة ذاته. على التوليف أن ينبعث من المادة من دون الشعور باسلوب المونتير على المادة. هناك أوقات عدة عندما تكون المادة ، الناجمة عن الاداء ، الاستمرارية ، أو بعض المشاكل ، كلها تحُول دون منحك المجال للقيام بما تود القيام به و عليك أن تجد حلولاً لتلك العوائق و في نفس الوقت جعل المشهد يبدو " صحيحاً". و في النهاية ، كما في الكتابة المتقنة، أرغب في أن يبدو الفيلم صنيعة ذاته. اللحظة التي أشعر فيها أن الكاتب يريني حدة ذكائه من خلال الكلمات و الاسلوب، افقد حماسي و أنسحب من الكتاب. هو الشيء ذاته في التوليف. على الكتاب أن يبدو كما لو أنه كتب ذاته و هذا الامر ينسحب كذلك على الفيلم . "

٢٠٠٩/٠٤/٠٤

و صلني حديثاً

و صلني حديثاً مجموعة من الافلام على أقراص ال DVD و التي من الصعب توافرها بالاسواق بنسخها الحديثة. هذه عينة من الافلام :


هذا الاصدار من مجموعة الكريتيرون (Criterion Collection) لفيلم " السيد أركادين" (Mr. Arkadin) للمخرج/الممثل أرسون ويليز ، هو بالفعل اصدار عبقري و أنيق ، و هو موجه لمحبي أعمال أرسون ويليز (و أنا منهم ) و الذين يسعون الى اضافة هذا العمل الى مكتبتهم .

يحتوي هذا الاصدار على ثلاثة أقراص و فيها:

  • نسخة مستحدثة عن طريق التقنية العالية (High - Definition) لثلاثة نسخ مختلفة من الفيلم : نسخة غورنيث ( The Gornith Version) ، التقرير السري (Confidential Report) ، و نسخة ثالثة و جديدة شاملة .
  • تعليق صوتي لباحثين متخصصين بشخصية أرسون ويليز ، هما جوناثان روسيباوم و جيمس ناريمور.
  • مقابلة حديثة للمؤرخ سايمون كالو .
  • ثلاثة حلقات ، كل منها نصف الساعة ، للبرنامج الاذاعي "حياة هاري لايم" (The Lives of Harry Lime) ، التي يقتبس الفيلم قصته عنها، بالاضافة لمقابلة اجريت مع المنتج هاري آلن تاورز.
  • في العدد الشامل فيلم وثائقي يحتوي على مقابة اجريت مع مؤرخيين سينمائيين من أمثال ستيفان دروسلر و كلود بيرتيميس ، و مؤتمن أرسون ويليز المخرج بيتر بوغدانوفيتش.
  • لقطات و رشيز و مشاهد أخرى للفيلم.
  • غاليري من الصور المتنوعة.
بالاضافة لاحتواء الاصدار على نسخة مستحدثة من قصة "السيد أركادين" ، و كتاب جيبي من توقيع جي. هوبرمان ، جوناثان روسينبوم، المؤرخ السينمائي فرانسوا ثوماس و دروسلر.

* ( لكن هذا الاصدار لا يحتوي على أية ترجمة، وقد لا يكون متوفراً باللغة العربية بنسخ أخرى في الدول العربية ).


أما "سنتوري ، رجل الموسيقى " فحصلت عليه أيضاً من الخارج وليس من الدول العربية لان الموزعيين العرب شبه غائبين عن السينما الايرانية و أي من السينمات الاخري الا لماماً ، ويبقى الامل في النسخ المتوافرة على الانترنت و بعض الموزعين الغربيين الذين يولون تلك الاصدارات الكثير من الاهتمام.

"سنتوري ، الرجل الموسيقي" (Santouri , The Music Man) هو جديد المخرج الايراني الشهير دريوش مهروجوي ، و الذي حصل الممثل الرئيسي بهرام ردان على جائزة أفضل ممثل في مهرجان فجر السينمائي. يحتوي الاصدار على نسخة الفيلم و الى اضافات أخرى من مشاهد خلف الكاميرة ، صور من الفيلم ، و بيوغرافي المخرج. لكن الغريب أن جودة الصورة ليست بأحسن حالها مع أنه تم تصويره بكاميرة ال ٣٥ ملم، لكن يبقى المضمون مهم و يستحق المشاهدة .

* يمكن الحصول على الفيلم عن طريق الشركة الموزعة : http://www.irdvds.com


المخرجة الروسية لاريسا شيبتكو (Larisa Sheptiko) التي عاشت مجدها في فترة ستينات و سبعينات السينما الروسية ، لم تعش ذاك المجد طويلاً قبل أن يقتنص الموت شبابها الاربعيني في حادث سير مؤلم في ذروة سطوع نجمها عالمياً. الاعمال القليلة التي خلفتها ورائها باهرة في شكلها و في ادارة الممثلين داخل الكادر في فيلميها : " الاجنحة" ( Wings) و " الوصول" (The Ascent) .

هذا الاصدار الجيد يأتي ضمن "سلسلة الاكليبس" للشركة المذكورة سابقاً The Criterion collection ، و هذه السلسلة الخاصة تعني بالافلام المفقودة، المهملة، أو كلاسيكيات طاغية في اصدار بسيط و قليل الكلفة. هذه الاصدارات موجهة عادةً للمهتمين و الشغوفين بالفن السابع.

* يحتوي الغلاف على الفيلمين داخل معلب حديث و مع ترجمة الى اللغة الانكليزية.

٢٠٠٩/٠٤/٠٢

لم يتسنى لي مشاهدة فيلم المخرج/الممثل كلينت ايستود "غران تورينو" (Gran Torino. 2008) الاسبوع الفائت ، فلدي انتظاري عرض الفيلم داخل الصالة الفارغة ، بعد عرضه لمدة ثلاثة اسابيع ، دخل الشاب و بيده المصباح و استأذن مني معتذراً عن عدم امكانية عرض الفيلم لشخص واحد فقط (شعرت كالمنتج يجلس لوحده لمشاهدة أول عرض للفيلمه بعد الانتهاء من توليفه) ، و سألني ان كنت أود أن انتقل الى فيلم آخر أكثر رعباً كفيلم " الجمعة ١٣" (Friday the 13th)، لكنني فضلت مشاهدة " ما الذي حدث للتو ؟ " (What Just Happened? ) .

٢٠٠٩/٠٤/٠١

عدد جديد و مدخل مهم الى صناعة المونتاج


ليس مستغرباً على مجلة متخصصة بالسينما كمجلة سينياست ( Cineaste ) أن تخصص عددها لربيع 2009 ملحقاً خاصاً لفن المونتاج و أهميته السينمائية . انقطعت عن قرأة تلك المجلة لفترة من الزمن لكنها لم تغادر ذهني ، الى أن أعدت الاشتراك مجدداً للحصول على اعدادها التي تصدر ٤ مرات في السنة . سينياست (السينمائي اذا أردت) تقدم نقداً مفصلاً لعدة مواضيع سواءاً في السينما الامريكية ، البريطانية ، الفرنسية ، الايرانية ، العربية ، الاسيوية ، كلمات و شرح دقيق تتطغى على صفحاتها بلغة سينمائية موجهة للمستزيدين من تلك اللغة ( عدا عن كونها ذات لغة انكليزية عميقة ).

اهتممت بالحديث عن هذا العدد بالذات لانه يخصص صفحات عدة للحديث عن المونتاج . ففي بعض الاحيان يغيب التطرق لدور المونتير في صياغة الفيلم ، حتى انه يعد فناناً " خفياً" عندما يغيب عن الذكر في تركيبة الفيلم و يبقى المونتير بعيداً بهدوء عن ضجيج الاعلام و أضواء الشهرة ( من قال أن المونتير يكترث كثيراً للشهرة بقدر ما يحسب حساب الاكتفاء الفني بالمنجز ؟). بل لعله أكثر صحةً القول أن المخرج يقضي أكثر أوقاته ، ليس بين فريق عمل التصوير ، بل خلف ماكينة التقطيع بصحبة المونتير، لان الفيلم المنجز هو أخر نص يقدم للعرض .

للمونتير أدواته و عليه أن يكون متمكن فنياً و عملياً من الخوض في غمار تلك المهنة التي تتطلب الكثير من المجهود الفكري و العملى لانجاح الفيلم . ليس بمقدور المونتير أن يعمل من دون تواجد المخرج لتبادل الافكار و الطرق العملاتية لتحرير العمل ، وكذلك الامر ينطبق على المخرج . عملية مابعد الانتاج Post Production تأخذ مجهوداً كبيراً من المونتير و المخرج من دون تدخل خارجي و الا فسد المنُتج ، كالطبخة التي ان تكاثر الطهاة حولها فسدت ( و كما يقول الاخوة المصريين " الطبخة بازت " ) . و في بعض الاحيان قد يلجىء المخرج لأخذ رأي المُنتج في بعض المشاهد . و كفيلٌ بالذكر أن أدوات المونتاج قد شهدت تطوراً لافتاً عبر الزمن. ففي السابق كان المونتاج يتم يدوياً على طاولات التقطيع مثل الموفيولا ( Moviola) و ستينبك (Steenbeck) - تكاثرت بشكل كبير في لجامعات التي كانت تدرس مادة السينما و لكنها اليوم مهملة ، شاهدة على عصر ذهبي - و تحولت لاحقاً الى الديجيتال و برامج الكمبيوتر ، أشهرها Avid و Final Cut Pro .

Walter Murch

والتر مورك كتب عن تجربيته خلف ماكينة التقطيع ، بدئاً بالموفيلا و لاحقاً في برنامج التقطيع Final Cut Pro، في كتابه الشيق " في لمحة بصر " - In the Blink of An Eye- ( العدد الثاني . و هنالك مقدمة للمخرج فرانسيس فورد كوبولا في أولى صفحات الكتاب ) ، فقد خاض تجارب مهمة في المونتاج و تصميم الصوت لعدة أفلام مهمة في تاريخ السينما , تاركاً بصماته على عدة أفلام منها فيلمي المخرج فرانسيس فورد كوبولا " سفر التحولات " (Apocalypse Now . ١٩٧٩) الذي حصل من خلاله على جائزة أوسكار كأفضل تصميم صوت ، و " المحادثة " (The Conversation . ١٩٧٤) و حصل عنه على جائزة أفضل مونتاج و صوت من الاكاديمية البريطانية ، و في ١٩٩٧ حصل علي جائزتي أوسكار كأفضل مونتاج و أفضل صوت عن فيلم المخرج أنتوني مينغالا " المريض الانكليزي " ( The English Patient ) ، و ترشح عن " جوليا" ( Julia . ١٩٧٧)، للمخرج فريد زينمان ، لنيل الجائزة من كلتا الاكاديمية البريطانية و الامريكية ، و في سنة ١٩٩١ ترشح لجائزتين عن فيلم " الشبح " ( Ghost ) و " العراب ، الجزء الثالث " ( The Godfather , Part III . للمخرج فرنسيس كوبولا) .

يذكُر مورك أن " هناك حقيقة مهمة و هي أن العيد من الافلام المشغولة تتشكل من عدة لقطات مجمعة كفسيفساء من الصور. يكمن جزء من الغموض فيها أن تجميع تلك الممشاهد و الصور - عن طريق " التقطيع" حسب المفهوم الامريكي - هي في حقيقة الامر فاعلة في كونها تمثل استبدالاً كلياً و فورياً لمجال واحد من المشهد بأخر ، استبدالاً يُعد احياناً قفزة الى الامام أو الخلف في الزمان و المكان ".