٢٠٠٩/٠٩/١٤

و هذا الرد الذي جاء به بيار ابي صعب على المقال السابق (جريدة الاخبار):

بين «ناطور» تورنتو و«عنب» نجوان درويش ما جدوى المزايدة على السينمائيّين العرب؟

بيار أبي صعب
عزيزي نجوان درويش،
نعم، تطوّر موقفي من قضيّة «تورنتو»! انتقلت من قناعة حاسمة بضرورة الانسحاب العربي من المهرجان الكندي، رفضاً لـ«النجوميّة» المشبوهة التي أسبغها على تل أبيب، إلى تفهّم أكبر لخيار السينمائيّين الذين اختاروا البقاء. لقد أخذت بالاعتبار وجهة نظر المعنيين، وأعدت التموقع عند الخط الذي رسمه مطلقو «إعلان تورنتو» أنفسهم، أي الاحتجاج من داخل. هؤلاء هم، في نهاية الأمر، مَن يخوض المعركة على الساحة الدوليّة، بفاعليّة يشهد لهم بها.
صديقي، ليست المشكلة في أنّك تخالفني الرأي، فالاختلاف من تقاليدنا الفكريّة. إن ما أثار دهشتي في رسالتك، هو نزوعها إلى «شخصنة» النقاش بطريقة سلبيّة. تكتب أنّي خضعت لـ«ضغط انتهازيّي تورنتو» (يا لقسوة التعبير!)، كأنّك أسقطتَ عنّي حقّ (بل واجب) مواصلة التفكير، ومراجعة رأيي في ضوء المعطيات المتراكبة التي توصّلتُ إليها. ثم توجّه سهامك إلى عمر البرغوثي، فتصوّره شيخ طريقة يطلق «الفتاوى». ولا ترحم ياعيل ليرر، إذ تقصيها من عصبيّة الـ«نحن»، مستنكراً أن تكون «مرجعاً للعرب في إدارة مواقفهم الثقافية».


بعد ظهور مقالتي الثانية التي استفزّتك، كتبت ياعيل تعاتبني لأنّي استشهدت بها، إذ أنّها لم تناقشني في مقالتي السابقة «أيّها العرب انسحبوا، إلا بصفة شخصيّة. أجبتها أننا نعتبرها قيمة أخلاقيّة، وأن رأيها يثري السجال ويؤثّر فيه. الناشرة والمناضلة التي تواجه الكيان السبارطي من داخله، كانت في معركة تورنتو منذ البداية، وتعرف حيثيّاتها، ووجهة نظرها مهمّة في الموضوع. وياعيل ليرر واحدة منّا يا نجوان.
أما عمر البرغوثي، فاستندتُ إليه ممثّلاً لمؤسّسة باتت مرجعاً دوليّاً على جبهة مقاطعة إسرائيل. «حملة مقاطعة إسرائيل ثقافياً وأكاديمياً» إنجاز من شأنه أن يساعدنا على عقلنة المعارك التي تخاض تحت راية «مقاومة التطبيع»، في مناخ فكري عشوائي يفتقر إلى أبسط المعايير... حتّى بتنا نخشى يوماً يصبح فيه التخوين هو القاعدة، وسط مناخ من البارانويا والذعر والهستيريا الجماعيّة...
أذكّرك أنّك من طرح السؤال في مقالتك التي فجّرت القضيّة عربيّاً (٣١/ ٨): «هل يستجيب إيليا سليمان ويسري نصر الله لنداء المقاطعة الذي دعت إليه «حملة مقاطعة إسرائيل...»؟ ذهبنا إلى «الحملة» واكتشفنا أنّها لم تدعُ أحداً إلى الانسحاب، ما يغيّر بعض الشيء معطيات الموضوع. لماذا لم تعد تلك المرجعيّة تناسبك الآن؟ علماً أن المعايير التي تقترحها لتحديد «التطبيع»، مثبتة في ميثاق تبلور ميدانيّاً، ونوقش على نطاق قاعدة واسعة، أعتبرُ شخصيّاً أنّها تمثّلني.
لا يمكن أن «ننتصر» في تورنتو، برأيك، إلا بالانسحاب من المعركة؟ الوحيد الذي يتّفق معك، من بين المشاركين، هو المنتج المصري شريف مندور. لقد أعلن من القاهرة سحب «هليوبوليس»، ضارباً عرض الحائط بموقف مخرج الفيلم أحمد عبد الله الذي وقّع بياناً واضحاً مع يسري نصر الله. أما حين تكتب أن مجرّد «التلويح بالمقاطعة» من قبل المخرجين العرب، كان «سيجبر المهرجان على إعادة النظر في المسألة»... فلعلّك لا تأخذ بالاعتبار واقع الإنتاج السينمائي في بلادنا، وعلاقته بالمهرجانات العالميّة. هل كان من المجدي حقّاً أن «ننتحر» بهؤلاء السينمائيين الذين نجحوا في تجاوز كل العراقيل للوصول إلى هنا؟ لو غابت السينما العربيّة عن هذا المحفل الدولي المهمّ، لما انتبه أحد. صدقني! إذا وجد فيلم إيليا سليمان مكاناً في صالات أميركا الشماليّة، بين «التقدّمي» آري فولمان و«داعي السلام» صموئيل ماعوز، فإن ذلك سيكون مكسباً أكبر لثقافتنا وقضيتنا القوميّة.
أما العنتريّات والمزايدات التي لا تلزم «أبطالها»، ولا تكلّفهم شيئاً، فمن أدرى منك بأنّها للتفريغ وللاستهلاك المحلّي فقط، ولن تساعدنا على تحقيق أي مكسب في تورنتو أو سواها. لا أريد أن يساء فهمي: أنت برّاء من تلك الديماغوجيّة طبعاً، لأنّك تريد أن تأكل العنب لا أن تقتل الناطور. أليس كذلك؟

٢٠٠٩/٠٩/١٢

هذا المقال مأخوذ من جريدة الاخبار (اللبنانية) المتعلق باحتفاء مهرجان تورونتو بالعاصمة "تل أبيب":

(مدينة) رام الله إلى (مدينة) «تورنتو»: كيف تمحو السينما جرائم إسرائيل؟


مخرجون وكتّاب وإعلاميون اعتصموا أول من أمس في رام الله، بالتزامن مع افتتاح «مهرجان تورنتو السينمائي»، احتجاجاً على الاحتفاء بتل أبيب

رام الله ـــ يوسف الشايب


فيما شهدت حملة الإدانة العالميّة تصعيداً ضدّ «مهرجان تورنتو السينمائي الدولي» يوم افتتاحه (الخميس)، مع انعقاد مؤتمر صحافي لجماعة «إعلان تورنتو» وتزايد عدد الموقّعين عليه، كان عشرات السينمائيين والأدباء والكتّاب والإعلاميين يعتصمون أمام الممثّلية الكندية في رام الله، احتجاجاً على احتفاء المهرجان المذكور بـ«مئويّة تل أبيب» عبر إحدى تظاهراته: «من مدينة إلى مدينة» (راجع «الأخبار» 31/ 8، ثم 7و 9/ 9). رفع المعتصمون لافتات تندد بالاحتلال الإسرائيلي، وتستنكر تكريم تل أبيب، وتدعو إلى عدم توظيف الثقافة والفن لمحو جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحقّ الشعب الفلسطيني.
وأكدت «جماعة السينما الفلسطينية» التي أطلقت المبادرة، في بيان لها، أنّ هذا الاعتصام يأتي خطوة إضافية من خطوات الحملة الاحتجاجية ضد تكريم تلّ أبيب في «تورنتو»، وجزءاً من الحملة الدولية لإدانة المهرجان والتي اندمجت الحملة الفلسطينية رسمياً في إطارها.
وأضافت الجماعة في بيانها الذي سلّمه المخرج يحيى بركات والسينمائية ناهد عواد إلى ممثّل كندا لدى السلطة الفلسطينية: «نحن المشاركين في الاعتصام من سينمائيين، ومثقفين، وكتّاب، وأكاديميين، وإعلاميين، وغيرهم، نؤكد أننا لسنا ضد أحد، وأننا لسنا ضد حرية التعبير كما يحاول أن يروّج بعضهم، بل إننا هنا لتأكيد حرية التعبير، وحقنا في الاحتجاج السلمي، رافضين تجيير المحافل الفنية الدولية لتلميع سياسة الاحتلال الإسرائيلي الذي يمعن في ممارساته العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، من قتل واعتقال وهدم منازل ومصادرة أراض وحواجز عسكرية وجدار فصل عنصري».
وأدان البيان «اختيار تل أبيب، من قبل إدارة «مهرجان تورنتو»، للاحتفاء بها سينمائياً». وأضاف: «نرى أنّ قرار إدارة مهرجان تورنتو هذا يندرج في إطار الانحياز للرواية الصهيونية والترويج للادّعاءات الإسرائيلية، إضافة إلى كونه يمسّ في الصميم قدسية القضية الفلسطينية وعدالتها، وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها في عام 1948، بما في ذلك تل أبيب التي أقيمت على أنقاض مدينة يافا وبلدة تل الربيع الفلسطينيّتين... ونرى أيضاً أن القرار يندرج في إطار تقدير القاتل».


وأشاد المعتصمون الفلسطينيّون بحملة الاحتجاج القوية ضدّ المهرجان التي تقودها نخبة سينمائيين ومثقفين ونجوم عالميون. كذلك وجّهوا دعوة إلى السينمائيين الفلسطينيين والعرب المشاركين في المهرجان لمقاطعته، واتخاذ موقف واضح وصريح «لما يمثّله ذلك من دعم واضح وصريح لعدالة قضيتنا الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال». ودعا المعتصمون أيضاً منظّمي «مهرجان تورنتو» إلى إلغاء تظاهرة «من مدينة إلى مدينة» لهذا العام، أو استبدال تل أبيب بمدينة القدس «عاصمة الثقافة العربية لعام 2009».
وقال يحيى بركات: «الاعتصام هو الخطوة الثالثة التي نقوم بها ضد تكريم تل أبيب في مهرجان تورنتو، وتأتي بعد البيان الاحتجاجي، وحملة التواقيع التي أطلقتها «جماعة السينما الفلسطينيّة» عبر بريدها الإلكتروني ومواقع شهيرة على الشبكة، وعبر وسائل الإعلام المحلية والعربية».
من جهته، شدّد السينمائي رائد الحلو على أن رسالة الاعتصام هي تذكير «مهرجان تورنتو» والرأي العام الكندي والعالمي بما تخطط الدوائر الصهيونيّة لمحوه، عبر مبادرات من هذا النوع: أي عذابات الفلسطينيين اليومية في غزة والضفة والقدس المحتلة، من جرّاء السياسة العنصرية للاحتلال الإسرائيلي. ويضيف: «نحن لسنا ضد أي مهرجان فنّي أو ثقافي في العالم، لكننا ضد الاحتلال، وضد تجاهل الجرائم اليوميّة البشعة التي ترتكب منهجيّاً بحقّ شعبنا على يد الجيش الإسرائيلي».