٢٠٠٩/١٢/٢٢

أفلام للمشاهدة قبل نهاية السنة

أيام معدودة و تنقضي سنة 2009 و تأتي سنة جديدة محملة بمفاجآت ، أمال، و خيبات . بل أن السنوات القادمة ، ان كنا متشائمين ، قد تحمل المزيد من التدهور البيئي و الكارثي في أنحاء مختلفة من المعمورة، و خصوصاً أن لقاء كوبينهاغن لم يحقق أي شئ يذكر ، بل جاء معاكساً لكل التوقعات و وصل الى نتيجة الصفر المكعب . و حامت أسئلة كثيرة : ماذا كنتم ستتوقعون مع دول كالولايات المتحدة و الصين التي تتربع على قائمة الدول المسببة للاحتباس الحراري ؟

لكن قبل انتهاء هذه السنة على خير ، هنا مجموعة من الافلام المميزة لهذه السنة أحببت مشاركتها معكم:

ُمرأة بدون رأس Le Mujer sin Cabeza



اخراج : لوسيريكا مارتيل Lucerica Martel

أثناء قيادة فيرونيكا ( Maria Onetto) لسيارتها في طريقها الى المنزل ، تنشغل للحظة في البحث عن هاتفها ، و فجأة تصطدم يشئ لا تدري ما هو ، فبدل الترجل من سيارتها تُكمل طريقها و تتفادى المشهد. لكنها تعيش قلق دائم يسيطر عليها و تفقد بذلك واقعها . هذا و يتم اكتشاف جثة الصبي ملقى على الطريق ، و يسعى زوجها لاقناعها أن كل شيئ على ما يرام و أن ذيول الحادث يمكن طويها.
اللحظات الصعبة التي تمر بها فيرونيكا تشحن الفيلم بمستويات من المشاعر عن القلق و فقدان الهوية و الشعور بالذنب ، تدفعنا بذلك المخرجة مارتيل (التي حسب قرائتي عنها أن أفلامها لا تلقى الترحيب الكافي من قبل المشاهدين ، لكنها تثبت جدارتها بهذا الفيلم ، على ما أعتقد) الى التفكير و الشعور بتلك الحيرة التي تدور برأس فيرونيكا.

الرسول Un Prophete

اخراج: جاك أوديار Jaques Audiard

عندما يسلم مالك ال جبينا (Tahar Rahim) ممتلكاته الخاصة الصغيرة الى أحد فروع السجن المركزي لانه لا يحق له ادخالها الى سجنه الجديد ، لا يدرك أن حين خروجه من السجن بعد ستة سنوات قد يكون واحداً من أهم زعماء العصابات و أن تلك الاشياء الصغيرة لم تعد تنتمي لجيبه. فمالك الذي يدخل الى السجن الكبير يبدو كالمسكين الذي لن يدوم طويلاً بين العصابات التي تتحكم بمداخل و مخارج السجن ، لكن حنكته تساعده على اللعب بين حبال الكورسكيين و الاصوليين داخل السجن و خارجه، و سرعان ما يصبح ذو شئن يحسب له الكثير من الحساب.
الفيلم الذي يمتد طوله لحوالي الساعتين و النصف مليئ بالاحداث المثيرة و التي قد يضيع المشاهد بين ثناياتها ، لكن المخرج أوديارد يعمل على ربطها بشكل بارع و يتحكم فيها كالخيوط التي يملك السيطرة عليها . تتوالى الاحداث تارةً بين لحظات الالم و السعادة ، العنف و الحب و يأتي العمل مسلياً و جميلاً في الابهار البصري و الروائي . و بالطبع اداء الممثل الرئيسي طاهر رحيم متميز و غاية في الابداع ، و منصفاً للدور الذي يؤديه. و ها هي موهبة جديدة قد برزت على الساحة الفنية.

رجل على الحبل Man on Wire


اخراج :جيمس مارش James Marsh

طموحات الشاب الفرنسي فيليب بيتي ( Philippe Petit) بالمشي على خيط رفيع يفصله عالياً عن جاذبية الارض و ملامسة السماء لم تثنيه الحواجز و المعوقات من المشي بين برجي التجارة العالمي (قبل كارثة سقوطهما) في نيويورك. لم يكتفي فيليب بيتي بالمشي فقط ، فقد قدم عرضاً راقصاً لمدة ساعة من الوقت قبل أن يتم القبض عليه من قبل شرطة نيويورك و احالته للفحص الطبي النفسي للتأكد من عدم جنونه ، و سجنه لفترة قصيرة قبل الافراج عنه. هذا الوثائقي ، جميل في التقرب من شخصية بيتي و شغفه الخطير منذ نعومة أظافره في التسلق عالياً و تحدي الصعوبات ، التي قد نجده ضرباً من الجنون. هذا الفن الرفيع الذي يفني فيليب بيتي جل عمره في سبيل تحقيقه ، لا يتوفر لكل شخص لانه مبني على شغف عميق و قدرات ذهنية و جسدية مصقولة عبر الوقت لتحقيق غايات محددة.

الوثائقي يوظف العديد من المواد المصورة للوصول الى خاتمة القفز فوق حبل الوصل بين البرجين ، فيعتمد على بعض المشاهد الأرشيفية المصورة التي التقطها رفاق درب بيتي ، اعادة تمثيل لمشاهد اختراق الحواجز الامنية ( استطاع فريق عمل بيتي التنكر كرجال صيانة في أحد البرجين لرسم المسافات و اعداد العدة للانطلاق)، و بالطبع الاعتماد على المقابلات المصورة لفيليب بيتي و المقربين منه لربط اجزاء الفيلم.

حدود السيطرة The Limits of Control

اخراج: جيم جيرموش Jim Jarmusch

الممثل اسحق دو بانكوليه (Issach De Bankole) ، الذي يشارك للمرة الرابعة بأفلام المخرج جيم جيرموش ، و هنا يأخذ الدور الرئيسي لشخصية غامضة لملاك مخلص ، يلتقي بعدد من الاشخاص في اسبانيا، يستمع الى أحاديثهم ، من الدون المشاركة فيها، عن الفلسفة، السينما، الموسيقى ، البوهيمية ، و الفنانين ... غذائه الروحي هي لتلك اللوحات المعلقة على جدران متحف الفنون المعاصرة ، يتمعن فيها و تأتي كرمزية شعرية وجودية خارقة لحدود السيطرة . يتنقل من مكان الى أخر ، و من ثم يجلس في أحد المقاهي و يحتسي كوبين من القهوة و يراقب بانتظار وصول المراسل الذي ما أن ينتهي من حديثه حتى يمرر له علبة كبريت تحتوي على شيفرة مرمزة و كل ذلك يدور في سعي دو بانكوليه للوصول الى هدفه النهائي.

أفلام جيم جرموش بعيدة كل البعد عن الميلودراما ، و هي مجزئة الى مقاطع و أجزاء تخدم الفكرة العامة . من يتوقع حدوث تسلسل روائي في أفلامه قد لا يجد الكثير منه، بل أن الافراد و ما يصدر عنهم هو لب الحدث بذاته. هناك مشاركة لعدد كبير من الممثلين الذين سبق أن عمل المخرج معهم أمثال :
Alex Descas, John Hurt, Youki Kudoh, Bill Murray, and Tilda Swinton
و وجوه جديدة لم يسبق أن عمل معها : كالممثل المكسيكي Gael Garcia Bernal و الممثلة الفلسطينية Hiam Abbass ، و عدد لا بأس به.

الفيلم يرمز الى الكثير و قد يعتبر أول عمل للمخرج ذات مدلولات سياسية ، حيث أن الثقافة المتنوعة للشعوب بكل أشكالها هي مقهورة و تحت سيطرة الرجل الذي يجلس خلف اسواراً حصينة و ما على الملاك المخلص سوى مواجهته.

٢٠٠٩/١٢/١٨

حدث أنني في فترة الثمانينات كنت من الشغوفين بحلقات المخرج العبقري ألفرد هيتشكوك " Hitchcock Presents" ، القصص متنوعة في كل حلقة و جميعها مليئة بالمفاجئات و اللالغاز . المشاهد يتابع مجريات الاحداث الى النهاية التي تأتي خاتمتها معاكسة لكل توقعاته (هل لان البشر يبنوا توقعاتهم كنتيجة طبيعية لمكتسبات واقعهم ؟ ) و صادمة أحياناً.

واحدة من الحلقات التي أذكرها تدور حول قاتل متجول أرعب المدينة بأسرها و بقي الشغل الشاغل لوسائل الاعلام و حديث الناس ، الى أن نأتي لتلك السيدة التي تسكن بمفردها ، وقد انكبت بالبحث عن ذلك الشخص الذي تريد أن تثق به كفاية لتغير قفل منزلها. تلتقي بعدد من الاشخاص لكنهم يثيرون لديها الشكوك و الريبة الى أن تلتقي بشخص ظريف يساعدها على جلب فاتح الاقفال و لكن المفاجئة التي لا تأتي ببالها، و ببالنا أيضاً ، أن ذلك الظريف هو القاتل المتخفي.


على العموم ، هناك الفنان السويسري تومس أوت Thomas Ott المشهور برسومه الصورية comics، و من أعماله ما يشبه لحدً ما ما ذكرته سابقاً عن حلقات هيتشكوك التشويقية ( أو تلك الحلقات المشهورة لمسلسل "Tales from the Crept" ). قصصه غاية في الغرابة بحيث أنها خالية تماماً من الحوار و معتمدة كلياً على الصور المتسلسلة للاحداث . الرسوم بالابيض و الاسود تأتي كدلالة على قساوة الحياة و سوداويتها و كذلك للشخوص الذين يعيشونها ، هم انتهازيين بطبيعتهم ، الغرابة تتحكم بطباعهم و العنف وسيلتهم . لا وجود هنا للخيرين ، بل أن الشر متحكم بالخيرين أيضاً. الكادر الذي يضم الحدث مأخوذ بزوايا متدرجة - و كأنها رسومات مرسومة على ألواح لفيلم يراد تصويره - بحيث يطغي الظلال على الوجوه و تبدو قاسية و مذنبة و قد تحمل تلك الزاويا المأخوذة من الاعلى ، و من الاسفل ، أبعاداً مختلفة : كذلك الرجل الذي يسير في رواق مظلم و يبدو أنه يخفي شيئاً ما ، الى أن يلقى حتفه على يد مجرم ، و هكذا....



٢٠٠٩/١٢/١٣

عدت للتو من حضور مهرجان دبي السينمائي حيث تم عرض فيلمي الوثائقي القصير " عن أولئك الذين رحلوا " ، و هنا مقال للزميل ابراهيم توتونجي في جريدة البيان الاماراتية حول الأفلام المشاركة في الليلة اللبنانية التي أقيمت ضمن مهرجان دبي السينمائي الدولي.


شيرين أبو شقرا، مريمام الحج، علي حمود، جيل طرازي.. أربعة شبان من لبنان واجهوا أول أمس جمهور «دبي السينمائي» في الصالة الكبيرة التي احتضنت ليلة «سيني كلوب» اللبنانية. «نشكركم، قدمتم جديدا، بعيدا عن الطائفية والحرب الأهلية»، قال احد المتفرجين. «لماذا ركزت على المثلية الجنسية في مشاهد بين فتاتين.. لماذا غابت صورة الرواة، أصحاب الضحايا في فيلمك.. لماذا لم نشاهد الحرب (!) الدائرة في الشوارع، فيما أبطالك مشغولون بالتدريب على مسرحية..


هل أردت من فيلمك إدانة الشباب اللبناني الذي يغادر البلد..»، هذه عيّنة من أسئلة الشباب اللبناني، على المقلب الآخر، «مقلب» الجمهور. عينة تعكس قليلا عن أزمة السينما في لبنان، المعبأ بأزمات متشعبة، ليس آخرها الفن السابع.


أزمة جمهور المتلقين، ممن يشتهون أفلاما تبعدهم عن واقع السياسة والفساد والتردي الاقتصادي الذي تغرق فيه شوارع بيروت، وتراهم في الوقت ذاته، ينبرون لـ «قراءة» هذه الأفلام، بمكانيزمات وفلسفة ذات الواقع الذي يدعون نبذه.


لم يتحمس أحد من الشباب اللبناني الذي غصت به قاعة «مول الإمارات» لكي يسأل مخرجي الأعمال عن تجربتهم السينمائية، في عمقها، أسلوبا ومضمونا، وحكايات التجربة الأولى، والمثل الأعلى والحلم والمشروع. لم يسأل أحد أبو شقرا إن كانت بطلتها المغنية العتيقة «وداد» قد أمهلها القدر مشاهدة وثائقي «لحظة أيها المجد»، قبل موتها. السؤال كان عن مشاهد «السحاق».


لم يشغل بال أحد أداء الممثلين في فيلم مريمام الحج «ما شفت الحرب في بيروت»، وذلك الصمت الموجع الذي يسيطر على شخصيات، تبدو عاجزة، وعالقة في مكان عصيّ على الفرح، كما هي المدينة، كما هي بيروت.


السؤال كان عن افتقاد الحرب، الاشتياق إلى الرصاص والجنون والشتائم، كما في «ويست بيروت». لم يحاور أحد من الشباب علي حمود، صاحب «عن أولئك الذين رحلوا»، الذي يتعرض لحكايات الضحايا المدنيين الذين قتلوا «صدفة»، أثناء تواجدهم أمام مواكب التفجيرات السياسية.. لم يسأله أحد عن كادرات فيلمه المصوبة على الشوارع، الخاوية المذعورة حد الضجر.


ولم تخل «المواجهة» الوجيزة مع جيل طارازي، صاحب «بكرة ستة ونص» من عقدة اللبناني المهاجر، المتواجد في الصالة، الذي ظن، برغبة اختزالية فيها الكثير من الـ «إيغو»، أن المخرج ينتقد الشباب اللبناني الذي «ترك البلد»، لمجرد أن عبارة «مفكر حالك تارك البلد، رح تصير مهم برا»، وردت على لسان صديق المسافر.


من هنا، من ذلك الجو، الذي يعاين وعي الجمهور السينمائي اللبناني، بوسعنا أن نفتح جدالا حول «الصناعة السينمائية» في لبنان. ذلك السؤال الذي وجد المخرجون الأربعة أنفسهم عاجزين، أو ربما غير راغبين، بالإجابة عنه. تراهم فكروا للحظة: مأزق السينما في لبنان في أهم ملامحه، قابع في شخصية الجمهور واشتهاءاته وقضاياه ومكيانيزم التفكير الشعبي لديه؟


هذا جدال معقد، وغير مغر، تحديدا في لحظة الاحتفاء بأربع طاقات جديدة، عساها تضخ دماء جديدة إلى شرايين ثقافية، ملأها الشحم وهددها التجلّط.


وداد الذي «قبّلها» المجد و..غادر


«كان جدي يملك ربع روسيا.. لقد حوربت لأنني يهودية الجذور.. طلب من محمد عبد الوهاب أن أغني أغانيه، فقلت له «سبني أفكر».. أنا أفضل من أم كلثوم في تتبع الإيقاع وطواعية الغناء.. أراد عاصي الرحباني أن يشكل مع فيروز ثنائيا غنائيا.. أغنية يا بهية كتبت خصيصا للتغزل في عيون أمي». هي بعض الشهادات. ربما تحتمل النكتة، أو الألم. السخرية، من القدر واللعنة والأحلام العاجزة عن التحقق.


تحتمل نعي المجد الزائل، والاعتزاز به في آن.. تلك الشهادات هي كلام لمطربة لبنانية عاشت مجدا غنائيا بدءا من خمسينيات القرن الماضي. اسمها وداد، جايلت صباح ونور الهدى، وكتب له ولحن أعظم شعراء الشام والبر المصري. لكن «لعنة الحظ» أصابتها.


ذكورية الأزواج وتسلطهم (بينهم أبوها، ثم توفيق الباشا الزوج)، يهودية المنشأ (إذا طاب لنا أن نصدق شهادتها)، سذاجة فنية (كالتدلل على محمد عبد الوهاب).. كلها أسباب ساهمت في عدم شيوع اسمها، على مستوى جماهيري، مشابه لما حصدته صباح، على سبيل المثال، رغم أن من يعرف «ريبرتوار» أغاني وداد، يثق جدا بالمتربة الرفيعة التي تقف فيها على مسرح الطرب، فهي ذات صوت مقتدر، فيه من قوة أم كلثوم وفايزة أحمد، ودفء نجاة الصغيرة وفيروز، والدلع الشعبي لسميرة توفيق وصباح.


وفي سنواتها الأخيرة، وكما هي حال الكثير من مبدعي العالم العربي، احتجبت وداد، مثقلة بـ «ظلم» التاريخ، وعجز الزمن. ثم طرقت أبو شقرا بابها:«أردت أن أظهر، بطريقة بعيدة عن الكليشيهات، سيرة هذه المغنية العظيمة التي لم ينتظرها المجد. مر أمامها، احتضنها، قبلها، ترك لها وردة، ظنت أنه باق تحت وسادتها طوال العمر، لكنه سرعان ما غادرها»، تقول المخرجة المقيمة في شمال فرنسا، حيث تدرس السينما في استوديوهات «فرسنوي» التي مدتها بالخبرة والتقنيات لانجاز الفيلم.


المخرجة الشابة في حافظتها حتى اليوم «فيلمان ونصف» على حد قولها، وتحضر لفيلم تحريك جديد، ولمواجهة ورثة وداد (توفيت قبل أن تشاهد الفيلم لكن المخرجة تفترض أنها كانت لتحبه) في المحاكم، بتهمة «التشويه والتعرض إلى الجذور اليهودية».


تقول أبو شقرا: «قدمت ما هو أعمق من ذلك بكثير، ولا تعنيني هذه التفاصيل. أردت أن أوجه رسالة احتفاء إلى واحدة من أهم السيدات المبدعات في تاريخنا الغنائي الشرقي. أن ارتحل مع أحلامها، أحلامنا، وكلمات أغانيها الجريئة وألحانها القوية. أردت معايشة سينمائية لخيبات المبدع العربي، التي لم تنقطع يوما». جاء فيلم أبو شقرا مؤثرا، وسيتسع مجال آخر لاستعراض تقنيته ومضمونه.


أن تموت لأنك تتمشى في بيروت


«نشرات الأخبار تمرّ قرب الضحية، تختزل حياتها إلى رقم. أردت أن أقول أن لتلك الأرقام حيوات، أحلام، قصص، لم تنته لمجرد أنهم صاروا أموات، ونحن لا زلنا أحياء. كل واحد منا معرض لتلك الصدفة في بيروت. أن يموت، لا لشيء، سوى لكونه مرّ في بيروت». لكأن منطق فيلم علي حمود «عن أولئك الذي رحلوا»، يبحث في هذا الحال. فيلمه، الذي ربما احتاج إلى تقنيات تصوير أكثر جودة (لكن مأزق تمويل أفلام الشباب يظل التحدي الأكبر)، يثير الفزع.


نحن نستمع إلى شهادات محكية، من دون صور، لأهالي ضحايا شبان، قتلوا في إثناء مرورهم في مناطق التفجيرات البيروتية التي غمرت دماؤها شوارع بيروت، بدءا من اغتيال رفيق الحريري، وما تلاه من اغتيال سياسيين وشخصيات عامة. «المدنيون، كانوا هناك أيضا. مروا من هناك وقتلوا، لا نذكرهم كثيرا في الإعلام. أردت أن أنتصر لهم، لحياتهم وموتهم».


ذلك الشاب الذي يضج حياة، ويدحرج الكرة ليل نهار، وينقذ ممثلة اعلانات كاد بحر بيروت أن يبلعها، ويستعد لمواجهة المنتخب الهندي، ويبني أحلامه بالحماسة والحب.. مات في ملعب نادي النجمة، مع أصدقائه، أثناء تفجير موكب سياسي صودف مروره قرب جدار النادي. تلك الحبيبة، جاءت من ألمانيا، لتتزوج «ابن الحلال»، وتستقر في لبنان الذي لم تعرفه في طفولتها، فـ « قتلها في عز الشباب».. قصص كثيرة رواها الأهالي وكاميرا حمود التي ركزت على شوارع بيروت طوال الفيلم، الشوارع حيث الموت المخبأ للأبرياء.


إضاءة


ضمن فعاليات المهرجان عرض نادي المشهد السينمائي، تحت عنوان «الليلة اللبنانية» أربعة أفلام قصيرة من لبنان خلال أمسيتين متتاليتين انتهت مساء أمس، سلطت الضوء على القدرات الإبداعية لدى بعض أبرز المخرجين المخضرمين، وكذلك الصاعدين من لبنان.


وأوضح مسعود أمرالله آل علي المدير الفني ل«دبي السينمائي»، أن التعاون مع «نادي المشهد السينمائي» لإطلاق أول برنامج مخصص للسينما اللبنانية تحت اسم «ليلة لبنانية»، يعكس حرص المهرجان الدائم على المبادرات التي تعزّز التواصل المجتمعي.


٢٠٠٩/١١/٢٦

٣ محاولات جادة لتسويق فيلم قصير


اذاً الكثير من الافلام القصيرة اليوم ، سواءاً كانت روائية أو وثائقية أو حتى تجريبية ، ما أن يتم عرضها في المهرجانات السينمائية حتى تذهب من بعدها الى الرفوف و تصبح مغناطيساً للغبار، أما بعضها قد يحالفه الحظ و يتم جمعه مع أفلام أخرى ضمن باقة متنوعة على أقراص مدمجة تباع في الاسواق. شاشات التلفزة لا تجدها مادة تسويقية و يمر أنف المشتري عنها من دون أن تجذبه رائحتها. و أنا هنا لا أتكلم عن السوق العربية ، الميتة أصلاً .

يحدث في هذا العالم أن الموزعين غير موجودين و ان تواجدوا فهم قلة يمكن عدهم على أصابع اليد الواحدة و هم متواجدون بحثاً عن أفلام طويلة روائية و نادراً جداً ما يجدوا الوثائقي الحقيقي ذو قيمة. ويمكن اختصار الاسباب تلك بما يلي :
- الثقافة غير متداولة بين العامة و هي محدودة بين النخب و المهتمين بذلك النوع من السينما.
- الافلام الوثائقية حقيقية و هي مزعجة للانظمة العربية الفائقة الديموقراطية !
- الربح السريع و ثقافة السوق تتحكم بجيبة الاداريين .
- الغيرة ، النكد و عدم تقبل الآخر مسيطرة بشكل لاإرادي على العقول ، و هي خطيرة .

لكن ما هي البدائل (حتى لا نقع في تكرار المعوقات التي " هي كالهم على القلب ") ؟ أحد البدائل يكمن هنا في الشبكة العنكبوتية . هناك عدد لا بأس به من البلاتفورمز أو المواقع التى تعرض أفلام متنوعة و قصيرة الطول مقابل اشتراكات مالية ( لا أتحدث هنا عن اليو تيوب أو أي من مواقع الفيديو المجانية ) . يأتيها الزائر من أنحاء العالم ليشاهد أفلام تتماشى مع رغباته و هناك باحثيين و أكاديميين قد يعنيهم فيلمك و عليه فهنالك اشتراك مالي اما شهري ، اسبوعي ، أو مقابل كل فيلم . يتم اقتسام ارباح المبيعات الى النصف ، أصحاب الموقع يحتسبوا نصفاً من الربح و للمخرج (أو صاحب حقوق العرض بما فيها موزع الفيلم ان وُجد) النصف الآخر. في نهاية الربع الاول ، أول نهاية السنة ، قد يحتسب مبلغ لا بأس به و قد يأتي أقل من المتوقع. المحاولة أفضل من لا شيء و خصوصاً أن الفيلم يتم عرضه بنسخة جيدة من دون تحميل ، وهذا بالطبع يرّجع الى جودة النسخة المرسلة الى أصحاب الموقع. و هناك تعاليم يجب اتباعها قبل ارسال نسخة الفيلم ... كتخليص حقوق العرض و الموسيقى المستعملة في الفيلم ، ان وجدت ، و أمور أخرى يجب الانتباه اليها... و عندما يصبح الفيلم جاهزاً للعرض ما هي الا كبسة " بلاي" تفصل بينك و بين المشاهدين من أصقاع العالم ، و هذا بالطبع يعتمد على قوة فيلمك في نهاية المطاف.


هناك بديل آخر ، ان تعذر امر ايجاد موزع لفيلمك، فعليك القيام بمجهود اضافي بنفسك ... و هي أن ترسل الفيلم للمشاركة بسوق المهرجانات السينمائية التي تستقطب عدد كبير من المهتمين و الموزعين الذين قد يجدوا فيلمك مناسب لارفاقه ضمن اهتماتهم من تلك السوق . العديد من المهرجانات الدولية و لدي ارسال طلب مشاركة الفيلم تخصص حيزاً لسؤال منتج الفيلم ان كان يود مشاركة الفيلم ، في حال قبوله أو عدم قبوله، في سوق المهرجان . تلك المهرجانات تشترط مبالغ مالية مقابل مشاركته و بعضها الآخر لاتطلب أي مبلغ ما دام الفيلم قد تم ارساله . و هذا بالطبع جيد ، لأن الفيلم يتم اعداده في كتالوغ السوق و يبقى متوفراً لمن يرغب بمشاهدته . و يتم الاحتفاظ بنسخة من الفيلم في أرشيف المهرجان من سنة الى أخرى . فالمهرجان يؤدي بذلك خدمة مهمة للمخرجيين بعرض أفلامهم و تسويقها و الاهتمام بحضورها الاعلامي . و المواد المرفقة كالبوستر و الكروت الموزعة عن الفيلم تساعد كثيراً في لفت الانتباه للفيلم .

أما ان فاتك كل ذالك و قد توافر مبلغ لا بأس به في حسابك المصرفي ، قبل أن تقرر الذهاب للبحث عن تلك الوظيفة اللعينة التي تغطي مغامراتك ، عليك ايجاد من يوضب لك فيلمك في معلب ديفي دي لائق مع تصميم جيد و نسخ معقولة ، وقم بدور الموزع لفيلمك على محلات بيع الافلام و المواد الثقافية . و هذا بدوره كافي ، على الاقل ، لاسترداد بعض المبالغ المصروفة من هنا و هناك ... و طبعاً كله يتوقف على كمية النسخ المباعة !

اخيراً ، لا تيأس و تذكر أن اليأس هو عدوك اللدود ، و عليك أن تتغلب عليه بالاصرار على تكفية مشوارك الى النهاية. الطريق ليست معبدة بالورود و القبل و قد يكون النفق مظلماً و ما لا نهاية . نعم ، الحياة معقدة و مليئة بالخيبات و في نفس الوقت قد تكن جميلة ( لا دولشي فيتا) و كذلك قد يأتي فيلمك الاول بالفشل و يكرهه الجميع ، أو العكس صحيح . و لكن قد تتغير رُأيّتك و يأتي فيلمك الثاني أجمل و الثالث كذلك .

٢٠٠٩/١١/٢٤

الواقع المغاير - دخول الانيميشن في صناعة الوثائقي

هل بالامكان صناعة فيلم وثائقي أنيميشن ؟ و هل لهذه التقنية التأثير الاقوى من صناعة فيلم وثائقي بالطريق الكلاسيكية المعروفة ؟ لعل هذين السؤالين يمكن الاجابة عنهما في سياق البحث التالي و عن دور بعض الافلام التي ظهرت في فترات زمنية مختلفة.

ًWaltz with Bashir

هذا الطرح لم يعد جديداً على الاطلاق ، وخصوصاً عندما نعلم أن في السنة الماضية ترشح فيلم المخرج آري فولمن ( Ari Folman) "الرقص مع بشير" (Waltz with Bashir) لنيل جائزة الاوسكار ، و قد نال من بعدها شهرة عالمية و بقي محل جدال واسع . و هذا الفيلم يأخذ مادة واقعية (بغض النظر عن القراءة الاسرائيلية لهذا التاريخ الدموي للدولة المغتصبة و وحشيتها في الحروب التي شنتها) في محاولة لاسترجاع ذاكرة جنود خدموا الاجتياح الاسرائيلي للبنان في 1982، و محاولة المخرج ، الذي يمثل نفسه كشخصية رئيسية يعاني من فقدان ذاكرة تلك الفترة الزمنية الحالكة الظلام و محاولاً استرجاع ما فاته عبر الالتقاء بأصدقائّه الذين يروون له تفاصيل ما جرى معهم في بيروت وصولاً الى مجزرة صبرة وشاتيلا .

من هنا ، و كوننا اعتدنا على مشاهدة أفلام الانيميشن المتخيلة لعالم من صناعة كتاب سيناريو و فنانيين و صناع الغرافييك في خلق شخصيات اعتدنا حضورها، وعليه فإننا كمتلقين لدينا الشغف ذاته لاستقبال الصور المتحركة بدون أية عوائق ، و لنتلقى تفاصيل جديدة تغني مخيلتنا. وحقيقة الامر أن الصورة المتحركة المرسومة ببراعة لديها الاثر الكبير في جذبنا للمادة التي وان تم معالجتها باسلوب الوثائقي قد لا يكون لها الصدى ذاته من التأثير.

ولتعريف أكثر دقة للفيلم الوثائقي الانيميشن فهو أي فيلم تحريك يتناول مادة غير متخيلة . و لتحقيق ذلك يتم الاستعانة بمواد مسجلة لمقابلات و أصوات متنوعة ، و يمكن أيضاً أن تكون كإعادة لخلق الحدث الحقيقي بصورة جديدة. و هذا يتيح المجال لاشكال و اساليب متنوعة . بعض الافلام قد يستعين بالتسجيل الصوتي لمقابلة ما و يعيد صياغة الفيلم كيفما شاء لاعطائه بُعداً آخر. ويمكن أن تكون تلك الافلام المتحركة تتناول شخصية ما أريد من خلالها سرد تجربته بصورة مشوقة. أما الباقي فهي اعادة تركيب لحدث ما، تاريخي أو شخصي ، عن طريق رسم متقن لهذه المادة.


بمراجعة بعض المصادر المتوفرة على شبكة الانترنت، يمكننا معرفة أوائل تلك الافلام التي ظهرت في البدايات الاولى للسينما و هو فيلم " غرق لوسيتانيا" (The Sinking of the Lusitania) لسنة 1915 للمخرج وينسر مكاي (Winsor McCay). هذا الفيلم (و الذي تسنى لي فرصة مشاهدته على اليو تيوب ) يعيد رسم حادثة غرق سفينة الركاب البريطانية التي تعرضت للغرق على أيدي غواصة المانية وتسببت بغرق 2,000 راكب كانوا على متنها، مما دفع بالولايات المتحدة لدخول الحرب العالمية الاولى. و أتى هذا الفيلم متسلحاً بالرسوم المتحركة لوصف عملية الاعتداء على القارب. فعمد المخرج مكاي للاستعانة بالمادة الموثقة لرسم حالة الهلع و الرعب التي عاشها الضحايا أثناء غرق السفينة . وهنا كان التأثير على الجمهور فعال مما لو اكتفى المخرج بعرض بعض المقابلات و المواد الارشيفية المصورة لتلك الحادثة. في الاصل لم تتتوافر أي مادة صورية للحادثة ، فتم الاستعانة بالانيميشن ليصور الحدث و ليقرب أكثر الى بعض القصص المتفرعة عن غرق السفينة بصورة دراماتيكية. و جاءت ردة فعل الجمهور مأثرة نظراً لقوة المشاهد التي كانت حاضرة أمامهم.

مخرج الانيميشن بول فيستر (Paul Vester) لديه تجربة مميزة في هذا الحقل، فقد عمل على أخذ عدة مقابلات لاشخاص يعتقدون أنهم قد تعرضوا للاختطاف على أيدي مخلوقات فضائية و وثقها بفيلمه الانيميشن "المختطفون" (Abductees - 1995). هذا و قد ساهم عدد من الفنانين في تركيب المشاهد ، مما خلق تنوعاً واضحاً في الاسلوب و التقنية. فكان لكل شهادة اسلوبها الفني المميز عن مثيلتها و جاءت التجربة مأثرة وقوية. فكان لكل تجربة شعورها و لونها المميز معطياً زوايا و أبعاد لصوتيات كل شاهد و تجربته مع الخطف. و بهذا اتاح للمتلقي حرية تفسير تلك التجارب و تحليلها ان كانت صادقة أم لا . في حين أن للانيميشن الفضل في تقريب التجارب المختلفة لأولئك الاشخاص و جعلها ممكنة و اعطائها بعدها الشخصي جاعلاً من تلك التجارب سليلة الذاكرة و ميزة تخص الفرد .

تجربة المخرج ريتشارد لينكلاتر (Richard Linklater) مع الانيميشن الاول له في "ايقاظ الحياة " ( Waking Life - 2001) ، جاءت مغايرة للسائد حيث اعتمد على تقنية الروتوسكوبينغ (Rotoscoping) - وهي تقنية يتم خلالها تصوير جميع اللقطات على كاميرة ديجيتال و من ثم يتم الاستعانة بفريق من رسامي الغرافيكس و الانيميشن لاعادة رسم و تلوين اللقطات كلاً على حدا.
و النتيجة فيلم متخيل لشاب يعيش بين اليقظة و الاحلام و يجول لاستطلاع أراء من يلتقيهم حول أمور تتعلق بالواقع و الاحلام ، الارادة و معنى الحياة. الاصوات المشاركة بالفيلم هي لممثلين معروفين كالممثل ايثن هوك (Ethan Hawke) و جولي دبلي (Julie Deply). و بما أن عدد فناني الغرافيكس المشاركين بالفيلم كان كبيراً فكذلك جاءت مشاهد الفيلم لتظهر التنوع في الاسلوب و الجماليات، مما ساهم في خدمة السيناريو الذي يدور ما بي الواقع و السريالية و ارهاصات الفلسفة و تسائلاتها: هل ما نعيشه هو مجرد حلم أم واقع ؟

بول و ساندرا فيرلينغر (Paul and Sandra Fierlinger) كان لديهما اللمسات الخاصة في مجال الوثائقي المتحرك. ففي فيلمهما "مقتبس من الذاكرة " (Drawn from Memory ) في عام 1991 ، يروي بول فيرلينغر سيرته الذاتية عندما كان ابناً لدبلوماسي تشيكي خلال الحرب العالمية الثانية. استعمل خلالها تقنية فنية متحررة و جميلة في رسم معالم ذاكرته بشكل شخصي. و كذلك انسحبت أعمال الثنائي في الوثائقي الانيميشن لتتناول مواضيع عدة كالادمان على الكحول، الكلاب ، وحياة لاشخاص عاديين .

في اوروبا الشرقية، التي كانت خاضعة آنذاك للحكم الشيوعي ، درجت العادة بين مخرجي أفلام الانيميشن على صناعة أفلام تجافي الواقع و خاضعة للكثير من التفسيرات. وهذا بالطبع يعود الى ميولهم الى نقد تلك الانظمة و في نفس الوقت التفلت من قيود الرقابة. و بالنتيجة جاءت تلك الافلام غاية في الابداع و ذات حبكة روائية مبتكرة. و هناك بعض الامثلة عن معالجات استعارية لتوصيل رسائل سياسية من خلال بعض الاعمال التي قام بها المخرج التشيكي جيري ترنكا (Jiri Trnka) ، الذي اشتهر كصانع للدمى ، فنان غرافيكي ، صانع أفلام متحركة و مخرج ، و كذلك أشتغاله على تقنية الحركات المتوقفة للدمى (stop motion puppet animation). و قد اشتهر بفيلمه "اليد " ( - 1965-The Hand) . في هذا الشريط يقدم حالة المقاومة للنظام الشمولي في شخصية دمية تلتقي بيد انسان. تقوم اليد تلك بالطلب من الدمية في عمل تمثال يجسد حالها. ترفض الدمية ذاك الطلب. في بداية الامر تحاول اليد اقناع الدمية بالامر، و عندما تجد تعنت الدمية ، تعمد الى استعمال القوة مما يؤدى الى موت الدمية و بالتالي ترتيب مراسم الدفن للضحية.
بعد وفاة الفنان و المخرج جيري ترنكا سنة 969 1، لم يبصر فيلمه هذا النور الا بعد انقضاء عشرين عاماً.



في فيلميهما " مع و ضد" (Pro and Con ) لعام 1992 ، جوان بريستلي و جون غراتز (Joanne Priestly mand Joan Gratz) تعاونا لسرد قصة قصيرة عن علاقة تربط بين حارس و سجين . تم خلالها استعمال انيميشن عبر تغطية مادة الطين على الزجاج و تحريكه لخلق دمى ذات ابعاد ثنائية ، مرسومة و ملونة وفقاً لحركتها المتتالية و كل ذلك لسرد تجربة الحارس داخل اسوار السجن. التنوع في استخدام التقنيات جعل من كلتا التجربتين ، للحارس و السجين ، مختلفتين من حيث المعالجة و الاسلوب.

مثال آخر للمخرجة جين ساكس (Jen Sachs) في " النمرة المخملية " (The Velvet Tigress ) ، حيث يعتمد باسلوب شكلي على اعادة صياغة لمحاكة جنائية حدثت في سنة 1930. و كذلك تطرقت الى الكيفية التي تعاطى بها الاعلام مع تلك المحاكمة.
عمدت المخرجة الى استعمال صور من ملصقات الجرائد و مزجها مع الغرافيكس لوضع تخيل للصورة العامة التي كانت تحيط بتلك المحاكمة. وأتى الفيلم ليقدم مادة ذات طابع مليئ بالمعلومات ، و مغناطيس يجذب اليه المشاهدين نظراً لتقنية الصوت و الصورة.

The Kid Stays in the Picture

هذا و قد تم الاعتماد على الانيماشين في عدد من الافلام الوثائقية المعروفة. فكل من المخرج ايروول موريس (Errol Morris ) و روبرت ايفنس (Robert Evans) ادخلوا المؤثرات البصرية لخلق مساحات متحركة و ذات شعور سريالي. يعتمد المخرج ايروول موريس على المقابلات و يدخل معها لقطات حية مليئة بالحركة و معتمدة بالاساس على تتابع زمني لصور فوتوغرافية و تحريك غرافيكي و هذا ما نجده في فيلميه "ضباب الحرب " (Fog of War) و "سريع، رخيص و خارج السيطرة" (Fast, Cheap and Out of Control). أما روبرت ايفنس في " الفتى يبقى في الصورة " (The Kid Stays in the Picture ) يعمد الى تركيب الصور الفوتوغرافية في خلفيات متنوعة. و تلك الافلام قادرة على جذب المشاهد نظراً لاحتوائها على عناصر قوة في الشكل و الاحساس تعمل على اغناء و دعم المقابلات المسجلة. و عليه فإن هذه المواد المستحدثة تكسر الجمود الذي قد تحدثه المقابلات الطويلة و تصبح ركناً داعماً و محركاً لمسار الفيلم.

Ryan

لكن اليست فكرة الوثائقي الانيميشن تشكل بحد ذاتها تناقضاً ؟ كيف لمادة مصنعة أو مزيفة للواقع قد تنتمي الى سرد أو قصة موغلة في الواقع ؟ كريس لاندرث في ريان (Ryan) ، الذي اسهم بشكل كبير في ابراز مفهوم الوثائقي الانيميشن الى العيان ، لديه جزء من الاجابة : هي تتكلم الحقيقة (بعضها شخصي ) عن موضوعها و عن مُخّرجها من خلال عمل متحرك غير حقيقي للحدث و الشخصيات.

من ناحية أخرى عزز بعض المخرجين - الفنانيين تلك النظرية الشكلية ، فكان والس و غروميت سباقين في تسخير سلسلة ناجحة لافلام قصيرة تحت عنواني "مقاطع محادثة" (Conversation Pieces) و " كلام مجدول " ( Lip Synch) . و النسخة الحديثة تختصر هذه التقنية : استعمال تسجيلات لاصوات أناس حقيقين و أماكن فعلية كمأسس لتلك الافلام . تم من بعده اعتماد تقنية الحركات الجزئية ( Stop Motion) للدلالة على احاسيس الاشخاص و الاماكن المسجلة ، و ان أمكن تصوير الظهور الفعلي في سياق الحدث.

التجريب في هذا المجال رافق المخرج بيل بيري (Bill Perry) في " راحة الحيوانات " (Creature Comforts) حيث اعتمد على الناحية الصوتية لتسجيلات مأخوذة داخل حديقة الحيوانات حيث يتدحادثون فيما بينهم عن حياتهم خلف القضبان. و هذا العمل التجريبي يأخذ حيزاً رمادياً ما بين الوثائقي و الانيميشن.

Grave of the Fireflies

أما " قبر اليراعات" ( 1987 , Grave of the fireflies) للمخرج الياباني ايساو تكاهاتا (Isao Takahata) فيحمل الكثير من التأويل ، فهذا الشريط الانيميشن ( انتاج شركة توهو اليابانية الرائدة في انتاج و توزيع الافلام) يشكل فاصلاً ضبابياً ما بين الروائي و الوثائقي. يدور حول القصة الشبه ذاتية للكاتب - المغني - القاص أكيوكي نوساكا (Akiyuki Nosaka) الذي نجي و أخته الصغيرة من القصف الذي تعرضت له مدينة كوبي اليابانية أبان الحرب العالمية. الثنائي يجدا نفسيهما في أحد القرى النائية عرضة للحرمان و الجوع الشديد مما يؤدي الى موتهما سوياً نظراً لسوء التغذية. يعود بنا الفيلم الى تلك التجربة عبر شبحي القصة و الذي يروي أكيوكي تفاصيليها.
الفيلم مليئ بالمشاعر ، و اللحظات المفاجئة بقسوتها ، في حين يشكل علامة فارقة في تحقيقه : القصة لم تأتي على تجسيد واقعي للاحداث (في حين أن أخت نوساكا قد ماتت فعلياً ، في حين نجى هو ) ، لكنها غرفت من واقع تلك التجربة للاخ و أخته و قدمتها بشكل مختلف.

من جهة أخرى، و من نظرة محايدة في صناعة الوثائقي الانيميشن ، استطاع الفنان دينيس توبيكوف أن يحدد معالم ذالك الحياد حيث برهن في فيلمه "صوت أمه " (His Mother's Voice - 1997) على نقل قصة فقدان والدة لابنها عن طريق أعطائها أبعاداً اضافية . كيف فعل ذلك ؟ تروي أحد السيدات كيف أن ابنها اصيب بطلاقات نارية و نقل على أثرها الى المستشفى وعجز الاطباء حينها عن انقاذ حياته . عمد دينيس توبيكوف على استعمال التسجيل الصوتي للسيدة مرتين، في كل مرة اعتمد على اسلوب مغاير في الانيميشن و في وجهة النظر. و نظراً لذلك ، فإن المشاهد يرى القصة ذاتها تتكرر بشكل مختلف . النتيجة ببساطة هو ان القصص المروية حمالة أوجه عدة . و هذا بحد ذاته جرئة في تحدي المشاهد و وضعه أمام احتمالات و تفسيرات متنوعة.

لعله من المفيد النظر الى الاشكال المتنوعة للافلام اليوم ، سواءاً أتت من روسيا ، جمهورية التشيك ، النروج ، كندا أو الولايات المتحدة و حتى المكسيك ، فهي تطرح أسئلة كثيرة و تقدم أشكالاً و أنماط جديدة دخلت منذ مدة طويلة في أسلوب التعبير بشكل جمالي و فني راقي لتقديم المادة بشكل جديد و مستحدث بعيداً عن التكرار . هي متحررة من كل القيود و متحركة بحثاً عن الواقع في اطار متخيل . و بالتالي أليس من حق المخرج الذي لمعت لديه فكرة ذات يوم أن يتلاعب بالمادة الوثائقية و يقدمها باسلوب حديث و مبتكر من دون أن يشذ بعيداً عن الحقيقة ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة : يمكن مشاهدة معظم تلك الافلام المذكورة على Youtube .

* تم الاستعانة بالمراجع التالية لكتابة هذا المقال :
- Frames Per Second Magazine : " The Truth in Pictures " , by Shiela Sofian
-Cineaste Magazine - Vol XXXIV, No2

+ + اذا كان لدي أحد من القراء اضافات أو معلومات عن مواضيع تخص هذا المقال - أو حتى أفلام لم أتي على ذكرها - يمكن اضافتها و التعليق عليها.

٢٠٠٩/١١/١٥

خلال رحلتى الى المانيا ، أخذت وقتي بزيارة مدينة برلين، التي تعد زائريها بالمزيد في كل زيارة جديدة ، و اعتمدت على العديد من الخرائط التي تقدمها العديد من الفنادق المليئة بالسياح الآتين من كل الانحاء، لاكتشاف تلك المدينة . أخذت على عاتقي التعرف على المدينة التي يبقى التاريخ موجود في كل زاوية و شارع و حي .
وفي كل الاحوال استوقفني متحف السينما المتواجد في بوستدام بلاتس ، و الذي يمكن الوصول اليه باستعمال الباص أو المترو . هناك يمكن التعرف على البدايات الاولى للسينما الالمانية منذ بداية التقاط الضوء على شريط السليلويد و تصوير العامة في الساحات و صولاً الى خروج نوسفوراتو (الذي اريد له أن يتجسد بمرض الطاعون الذي كان متفشي انذاك) من قبوه وانتقاله الى المدينة التي ان عشقها لم يبقى الكثير من سكانها الا و سقط ضيحة لشروره . بداية السينما التعبيرية متواجدة للعرض على شاشات و مجسمات للعرض ، و لدكتور كالغيري (The Cabinet of Dr. Caligari) نصيبه الاوفر من العرض على شاشات مربعة و مجسم لستديو التصوير و كتابات مع مادة صوتية. ننتقل من مكان الى آخر و الى حقبة جديدة : أفلام و صوتيات لافلام فريتس لانغ و تحفته " متروبوليس" التي سبقت عصره بأشواط . الى العصر الذهبي في السينما و انتقال العديد من المخرجيين و الممثلين و الرحفيين الالمان لتبادل الخبرات مع هولييوود التي كان مجهرها في بحث مستمر عن تلك المواهب في الجزء الآخر من المحيط. الى أن جاء الحكم النازي و أتت معه الافلام الدعائية لذلك الحكم . الافت في هذا القسم، و جود عدد لا بأس به من الممثلين و الممثلات الذين ممن لم ينفذ بجلده تعرض للملاحقة و من ثم القتل .
أما الحرب الباردة فقد كانت رحاها تدور في أرجاء برلين ، المد الشيوعي في مواجهة القوى الغربية و هذا ما وجد كمادة دسمة للسينما . الظريف في هذا القسم من المتحف، وجود جوارير تحتوي على كتيبات و صور و مواد فنية ما أن تفتح احداها حتى يخرج عليك تسجيل من ذاك الفيلم أو المذكرة .
المخرج فاسبيندر ، أحد أهم المخرجيين الطليعين في السينما الالمانية ، يحضى بقسم وفير من العرض الى جانب عدد من المخرجيين المهمين: فيرنر هيردزوغ ، توم تيكور، هيلكي ميسلويتز، دوريس دورير ، فاتح أكن، أوسكار روهلر، و غيرهم العديد.



لعل الكثير منا يجهل تلك الاعمال المهمة و الخالدة للمخرج الياباني مساكي كوبياشي (Masaki Kobayashi) الذي جاء بواحد من أهم الاعمال في تاريخ السينما اليابانية ، " الحالة الانسانية " (Human Condition) و هو فيلم يمتد طوله الى نحو تسعة ساعات و نيف تم عرضه في أجزائه الثلاثة في اليابان بين 1959 - 1961 و الذي من خلاله يعاين المخرج الحياة المليئة بالمشقات لشلب يدعى كاجي (تاتسيو ناكيدا) ـ و تلك التي كانت تعيشها اليابان من تحولات اجتماعية و سياسية - الذي يجد مبادئه تتساقط أمام عينه خلال الحرب العالمية الثانية حيث الحروب الطاحنة تدور رحاها و يُجبر على المحاربة الى جانب القوة الامبريالية لليابان الى أن يقع في الاسر لدى القوات الروسية.

المخرج كوبياشي يبرع بنقل حدة المعارك و القهر و انسحاق الانسان أمام وحشية الحروب بجمالية متناهية و فنية تتفتح أمامنا بمشاهد تنقل المساحات الواسعة المأخوذة بحرفية متناهية ، قسوة التعابير المرتسمة على الوجوه المتسخة للشخصيات ، العنف المتفجر ، عذابات الروح أمام هول المشاهد و على النقيض منها التتوق الى الجمال و السلام الذي يبدو بعيداً حيث تعصف الرياح الناعمة فوق الهضبات ، و حيث يبقى الحبيب منتظراً. هي تلك الانكسارات التي عاشها هذا المحيط من العالم بكل مغامراته و عصبيته الاثنية و المجاهرة بالقوة التى أودت به الى التهلكة و الكارثة الانسانية، و هذا يدخل في صلب الاحداث التي يعيشها كل من شخصيات الفيلم.

(يتوافر الفيلم على أقراص سخية من criterion - و أكيد الفيلم يعني أولئك المهتمين بالسينما الاسيوية الغنية بأرشيف مهم )

٢٠٠٩/١٠/٢٠

TOKYO SONATA

واخيراً ، حظيت بفرصة مشاهدة فيلم المخرج كيوشي كوروساوا " معزوفة توكيو " - الذي اتابع اعماله باستمرار في حال توافرها على اقراص المدمجة - و كان عرضه الاول مشكوراً ( وبشدة) ضمن الدورة التاسعة لمهرجان بيروت الدولي للافلام هذه السنة.

"معزوفة توكيو " (Tokyo Sonata) يأتي في زمن الازمات الاقتصادية و ارتفاع معدل البطالة في العالم و انعكاساتها محلياً. لكن تلك الازمات تجدها انعكاس طبيعي لتبدل في ظروف العمل و تقليص حجم الانفاق و بالتالي الاستغناء عن خدمات عدد كبير من الموظفين. يتحول الموظف بين ليلٍ و ضحاه الى عاطل عن العمل و يتوقع أن يجد بديلاً لكن البديل لا يأتي بسهولة ابداً.

السيد نوماتا (الذي يؤدي دوره الممثل تيرويوكي كاغاوا) يجد نفسه مجبراً على ترك عمله بعد أن تم الاستغناء عنه ، و لصون كرامته أمام اسرته يضطر الى الادعاء غير ذلك و الذهاب يومياً في رحلة البحث عن وظيفة مناسبة تليق بمأهلاته. يشعر نوماتا أن المفاهيم السابقة التي تربى عليها لم تعد ممكنة و أن عالمه فد اهتز ، وأن عليه أن يتأقلم مع الوضع الحالي وان اضطر الى الوقوف لساعات طويلة سعياً وراء وظيفة ، و احياناً اكل وجبة رخيصة مقدمة من لجان مساعدة المتسكعين و العاطلين عن العمل. سلتطه في المنزل تتعرض للاهتزاز ايضاً، عندما يتحداه ابنه الكبير - الذي يجد حياته كالورق الملقى عبثاً في مياه النهر - بالاصرار على الالتحاق بالجيش الامريكي في العراق . تلك الامور تستدعي اعادة النظر بالمُثل التي لم تعد قائمة في عصر خلق تحديات و هزائم هي من صنيعة ذاك المجتمع ذاته الذي يعيد انتاج نفسه. في حين يحاول الابن الاصغر ، المفتون بمعلمة البيانو ، يحاول اقناع والده بالالتحاق بالدروس الخصوصية للعزف علي البيانو و لكن من دون جدوى ، لكنه يعمد الى استعمال مال الوجبات المدرسية لدفعها سراً للدروس الخصوصية . في حين أن الزوجة ميغومي ( الممثلة المبدعة كيوكو كيوزومي) هي الزوجة الداعمة لزوجها و أولادها ، أي دورها تقليدي في الدفاع عن رغبات ابنائها و اعداد الطعام .

جلوس العائلة الى مائدة الطعام تشي بالكثير عن طبيعة العلاقات الاسرية . يلتزم الجميع الى مأدبتهم ، رب الاسرة يآذن ببدء الأكل و هكذا يشرع الجميع الى التهام وجبتهم . يشرع الاب الى الاستفسار من ابنائه عن يومهم و هكذا ... تلك اللحظات قد يعكرها كلام من هنا و من هناك و يغادر أحدهم المائدة تاركاً الكل يجول بأفكاره.... تلك و غيرها من المشاهد تثير الكثير من قضولنا لانها تشبه يومياتنا. و هنا يأخذ المخرج كوروساوا تلك اللحظات في صميم تسلسل فيلمه.

من تابع أفلام المخرج كيوشي كوروساوا ، قد يفاجئ بمدى ببساطة أحداث الفيلم ، و هو المعروف لفترة من الوقت بأفلام الرعب و الغموض بدأً من فيلميه المشهوريين "دواء " (Cure) و "نبض" (Pulse) ، يغرد خارج السرب في "معزوفة توكيو " لانه من المخرجيين اللذين لا يقفوا عند نوع معين من الافلام بل تسمح لهم ابداعاتهم التوسع خارج الاطار و الخوض في تجارب غير ملتزمة بمسار معين سينمائياً. وفي حالة "معزوفة توكيو" تبدأ لمسات المخرج بالظهور في الجزء الثالث من الفيلم حين تأخذ الامور بالتعقيد والغوص في الغموض ، حتى و كأن الامور تأخذ منحى السريالية و الكابوس المزعج الذي ما أن يبدأ حتى تبدأ العلاقات بالتلاشي و الاضمحلاح في وعاء من الفراغ (اليس " التنبئ " The Shinning للمخرج العظيم كوبريك نموذجاً عن تداخل الكابوس الذي ينقلب حقيقة و يدمر حياة الاسرة بعيداً عن الجميع ؟)

غياب المخرج لفترة من الزمن و عودته المفاجأة هي عودة محمودة و متوقعة من مخرج يعرف تماماً ما يريده و كذلك جمهوره و المعجبين بأعماله.

٢٠٠٩/١٠/١٤

أفلام وثائقية تستحق المتابعة




ذاكرة مثقوبة (Perforated Memory)

سنة الانتاج: 2008

مدة الفيلم: 62 min

المخرج(ة): ساندرا ماضي

العرض : عرض في مهرجان بيروت للافلام الوثائقية و حصل على جائزة أفضل فيلم طويل (60+) في فئة الافلام العربية


تعود بنا المخرجة الفلسطينية الى الرعيل الاول من الفدائيين الفلسطينين و لكن ليس الى حقولهم و معسكرات التدريب و لكن الى مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الاردن و قد اثقلتهم الايام بهمومها و أصبحوا مجبرين على الانتظار الطويل في مكاتب المنظمة ليتداولوا شؤون "البلاد" و يتذكروا تلك الايام الغابرة بصمت. كاميرة ساندرا ماضي ترسم معالم الوجوه الحائرة التي يضيء عتمتها ومضات شاشة التلفاز التي تنقل الاخبار عن فلسطين التي لا تغيب عن بالهم ، و في أحيان أخرى سقوط النور الاتي من النافذة على رجال يراقبون ضيعهم المحتلة من على خريطة فلسطين. السقوط الرهيب للايدلوجية التي آمن بها هؤلاء المحاربين الذين باتوا غير مصدقين ما آلت اليه حالهم هو مشروع ذاكرة مثقوبة.


---------------------------------------------------------------------------


ذاكرة و جذور (Memory and Roots)


سنة الانتاج: 2008

مدة الفيلم: 40 min

المخرج : فاروق داوود

العرض: عرض ضمن مهرجان بيروت الدولي للافلام الوثائقية و حصل على جائزة أفضل فيلم متوسط (60-) في فئة الافلام العربية


"ذاكرة و جذور" يحكي قصة الروائي العراقي غايب فرمان و صراعه من اجل التصالح مع حياته في المنفى بعيداً عن وطنه و ذلك بعد أن أجبر على مغادة العراق عدة مرات.

ينتقل المخرج فاروق داوود لتوثيق هذه الحالة باستعمال كاميرة ١٦ مم - و الذي يبرع بمزج حالة السكون البارد في الغربة مع حرارة الشوق الى أرض الوطن فتبدو الصورة ( المتشققة و الخارجة من التحميض و ليس الديجيتال) مختلطة على المشاهد بين الماضي و الحاضر و هذا ما يعكس الرؤية الشعرية لفيلمه: الانتقال من المصباح القديم الى غرفة الشاعر المليئة بالكتب و كرسيه الفارغ المطل على البارك المغطى بالجليد و من ثم العودة سريعاً على متن قطار يسير على سكة الماضي.

بعد مشاهدة الفيلم ، نستطيع أن نقدر العناصر المختلفة التي أدت بالعراق الى هذه المأساة الحديثة التي نراها اليوم.

--------------------------------------------------------------------------


رب البيت (God of the House)


سنة الانتاج: 2009

مدة الفيلم: 12 min

المخرج: أنس بلعوي

العرض: حصل على جائزة أفضل فيلم قصير في فئة الافلام العربية في مهرجان بيروت الدولي للافلام القصيرة


العلاقات المعقدة بين الاب و الابن يعكسها أنس في فيلمه الشخصي و الذي يحاول نقل تلك التجربة التي تتفاعل على الشاشة. العلاقة ليست سوية و مليئة بالمشادات الكلامية لعل عوامل العادات والتقاليد و الدين كلها تلعب دوراً في تغذيتها.


---------------------------------------------------------------------------


بلال (Bilal)


الانتاج: 2008

مدة الفيلم: 88 min

المخرج: سوراف سرانجي

العرض: حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم طويل في فئة الافلام الدولية


في مدينة كلكاتا الهندية ، يقطن طفلين مبصرين مع والديهما الفاقدي للبصر هي حالة استثنائية بكل المقايس ، تلك الظروف الصعبة ينقلها المخرج سوراف سرانجي ، الذي واكب العائلة لفترة من الزمن وعاش تفاصيل حياتهم اليومية ، ينقلها بكل تجرد.

يبلغ بلال الثالثة من العمر و لديه أخ رضيع ، معاً يعيشان لعبة الابصار و العمى. و مع أن بلال لا يزال في المقتبل من عمره ، فهو مدركاً جيداً لحالة والديه. يعلم كيف يتواصل معهما من خلال الصوت و اللمس. و لديه الدراية الكافية لتوجيه والديه وسط اشتداد زحمة الشارع.

وخلافاً لاوضاع أيامنا الحالية ، أصبحت تربية بلال مسؤلية جماعية لكافة جيرانه.

الفيلم مجرد من كل الشكليات ، ينقل سوراف الواقع كما هو و كأننا نعيش مع يوميات العائلة مع الاحتفاظ بقرد عالي من الانسانية و جمالياتها.


--------------------------------------------------------------------------


الرجل الذي عبر الصحراء (The Man who Crossed the Sahara)


الانتاج : 2008

مدة الفيلم : 53 min

المخرج: كوربيت ماثيوس

العرض: حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم متوسط الطول في فئة الافلام الدولية


تقترب الكاميرة رويداً رويداً باتجاه حجرة بيضاء و مقفلة ، تبدو كمختبر للابحاث ، و لا ندري الكثير عنها. نعتقد في بداية الامر أن الفيلم له علاقة بالابحاث ، لكن يخرج رجل ليحدثنا عن تلك الحجرة التي هي عبارة عن خزان مثلج لحفظ الجثث البشرية لعدة سنوات الى حين يأتي ذاك اليوم الذي يصبح العلم متقدماً بحيث يصار الى اعادة الموتى الى العيش من جديد ! ننتقل من بعدها للتعرف على القصة المثيرة للمخرج الكندي فرانك كول الذي أصبح أول أمريكي شمالي يعبر الصحراء وحده على ظهر جمل. يستخدم الفيلم الصحراء كخلفية و يمزج أحدث أشكال الصور المتحركة مع المحفوظات الفوتوغراقية النادرة مع الافكار و المقابلات المثيرة للجدل.
الفيلم يأخذ من المادة الموجودة طريق البحث في حياة و موت واحد من أكثر سينمائي كندا غموضاً و يلقي الضوء على هوسه بموضوع "الموت" و الذي أدى في نهاية الامر الى مقتله على يد قطاع الطرق خلال رحلة عبور ثانية في أفريقيا سنة ٢٠٠٠ .
الفيلم مصنوع بطريقة سينمائية مبتكرة يرسم من خلاله ملامح الغموض مع هفوات من الابحار في السيكولوجية الميتافيزية لعالم فرانك كول الذي فضل الانعزال عن محيطه و الاتجاه الى المجهول غير عابئاً بالنتائج.

-----------------------------------------------------------------------

الحياة المنعزلة للرافعات (The Solitary Life of Cranes)

الانتاج: 2008
مدة الفيلم: 27 min
المخرج(ة): ايفا ويبر
العرض: حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم قصير في فئة الافلام الدولية

من دون أدنى شك، تمتلك ايفا ويبر( المانية الاصل مقيمة في بريطانيا) ابداعاً جميلاً في نقل يوميات الاشخاص كطائر الذي حط عالياٍ على الاسلاك و أخذ يراقب الناس من بعيد ، وهذا الطائر هنا هو عامل الرافعات في أحد المدن المزدحمة لندن ، يراقب الناس و حركة المدينة و خفاياها. نسمع أصواتهم و نرى ما يرون. ما يظهر هو وساطة غنائية حول كيف أن وجودنا يتشكل من خلال البيئة التي نسكنها. سواء بالنسبة للسائقين عالياً في السماء ، أو الناس الذين يقعون في دائرة اهتمام من يراقبهم.

------------------------------------------------------------------------

ايجاد المنزل (Finding Home)

الانتاج: 2008
مدة الفيلم : 25 min
المخرج: كريستوفر دالي
العرض: حصل الفيلم على جائزة تنويه لجنة التحكيم

يقترب الملازم أول في سلاح مشاة البحرية الامريكية من سن التقاعد بعد ١٩ سنة من الخدمة الفعلية، شملت ثلاث جولات في العراق. يعود الى مسقط رأسه ، مع توقفه لزيارة عائلته ، يسترجع شبابه المضطرب وزواجه الفاشل.
ببطء، تطفو على السطح آثار الحرب . نرى رجلا يكافح من أجل وضع ماضيه خلفه، والعثور على منزل يشعر فيه بسلام.
يبرع كريستوفر باختبار تجربة الجندي و ماضيه الثقيل الظل ، يظهر أحاسيسه كأنه يحاول التطهر بدموعه من ذلك الهم الذي من الصعب التخلص منه .
هذا الفيلم هو فيلم تخرج امخرج من جامعة KASK، و هذا بحد ذاته ينبىء بالمزيد من الابداع في المسقبل القريب.


٢٠٠٩/١٠/١٠










جريدة السفير في 10/10/2009


«مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية» في ميزان مسؤوليه وعيون مشاهديه

علي حمّود: نختبر مزاج الجمهور وتفاعله... عبير هاشم: تعرّضنا لضغوط كثيرة


نديم جرجوره

لا تزال الأسئلة الخاصّة بـ «مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية»، الذي انعقدت دورته التاسعة بين الثاني والعشرين والثلاثين من أيلول المنصرم، معلّقة. هناك غياب دام عامين متتاليين، قيل إن سببه مالي بحت. وهناك عودة مفاجئة، تمّ التحضير لها سريعاً وبعيداً عن الأضواء الإعلامية تقريباً، شهدت إطلاق الدورة التاسعة هذه، بغياب أحد مؤسِّسَي المهرجان ومديره محمد هاشم. هناك كلام كثير حول نزاعات قائمة بين هاشم وجهات أوروبية تموّل نشاطات ثقافية وفنية لبنانية، بالإضافة إلى إقامته في الدوحة، منذ نهاية الدورة الثامنة خريف العام 2006، وهي إقامة مرتبطة بعمل شخصي في مجال الإنتاج الوثائقي التلفزيوني. هذه عناوين لا ترتكز على إثباتات، لكنها تثير تساؤلات حول مصداقية المهرجان، وقدرته على النهوض من غفوة العامين المتتاليين، وصدمة العودة المفاجئة، خصوصاً أن الدورة المقبلة يُراد لها أن تكون احتفالية ضخمة، بمناسبة «الذكرى» العاشرة للتأسيس، التي كان يُفترض بها أن تُقام في العام الفائت.

ارتباك

مسألة التمويل مُربكة للمهتمّ الذي تابع مسيرة المهرجان منذ تأسيسه في العام 1999، بفضل جهود مشتركة بين هاشم ومرسيل برسودير، الذي اختير عضواً في لجنة تحكيم المسابقة الرسمية الخاصّة بهذه الدورة. فالارتباك نابعٌ من أن الحجة غير مقنعة، لأن الدورات السابقة كلّها عانت مشكلة التمويل، ولأن قدرة محمد هاشم على تأمين تمويل سنوي جعلت المهرجان يستمرّ في تنظيم دوراته لغاية العام 2006. الصحيفة اللبنانية الناطقة باللغة الإنكليزية «دايلي ستار» نقلت عن هاشم قوله إن سبب الغياب مرتبط بمشكلة التمويل والوضع الأمني، في حين أن الزميلة ريما المسمار كتبت في «المستقبل» (18 أيلول الفائت) ما يشبه الردّ على هذا «الادّعاء» المشوب بـ «ثغرات عدّة»، بإشارتها إلى أن هاشم أعلن، في افتتاح الدورة ما قبل الأخيرة للمهرجان، المنعقدة بعد أسابيع قليلة على نهاية «حرب تموز» في العام 2006، عن شراكتين جديديتين عقدهما المهرجان مع «الاتحاد الأوروبي» ومؤسسة «لي وغاند». كتبت المسمار: «إن انعقاد المهرجان كان، بحدّ ذاته، تحدّياً عامذاك، شأنه في ذلك شأن المهرجانات اللبنانية الأخرى في أعقاب حرب تموز، التي واجهت تحدّيات الاستمرار والعمل في ظلّ ظروف أمنية وإنسانية صعبة. حتى العام الذي سبق حرب تموز، كان عاماً مشوباً بالذعر والقلق، بعيد أحداث شباط 2005 وما تلاها». ذلك أن المهرجان اجتاز عامين صعبين للغاية (2005 و2006)، أمنياً وسياسياً، وقبلهما رحلة فردية شاقة، خاضها هاشم وبعض المؤمنين بمشروعه منذ العام 1999، لتثبيت مكانة المهرجان في خارطة النشاطات الثقافية والفنية في لبنان: «ظنّ مهتمّون بالمهرجان أن إعلان الشراكتين مدخلٌ جوهري إلى حلّ أزمة التمويل»، كما قال هشام فرح، أحد متابعي المهرجان في دوراته القليلة الماضية. علماً أن علي حمّود (المدير الفني للمهرجان) قال إن «التمويل الذاتي» سمح بتنظيم الدورة الحالية هذه، تماماً كما كان يحصل في غالبية الدورات السابقة.
هذه الالتباسات كلّها، تُسَاق في إطار تساؤلات نقدية يطرحها معنيون بالهمّ السينمائي أولاً، وبمصير المهرجان ثانياً، الذي تأسّس قبل عشرة أعوام بهدف جعل الفيلم الوثائقي حاضراً في المشهد الثقافي اللبناني، وفي السعي الدؤوب إلى إقامة علاقة سليمة بينه وبين مشاهدين يُفترض بهم أن يروا في الوثائقي صنيعاً سينمائياً إبداعياً. غير أن الواقع الآنيّ محاصر بمزيد من الغموض، والقراءة النقدية الذاتية المتواضعة التي قدّمها علي حمّود ومديرة العلاقات العامّة عبير هاشم لا تكشف الحقائق بقدر ما ترغب في القول (أو ربما هذا ما يُستَشفّ من هذه القراءة ضمناً) إن العودة الراهنة تمهيدٌ لإطلاق المهرجان مجدّداً، أو ربما هي «تأسيس ثان». فقد أجمع الثنائي حمّود وهاشم على أن غياب المؤسِّس والمدير مردّه «انشغال الرجل في أعمال خاصّة به في الدوحة، وعدم قدرته على التنصّل منها لمواكبة أيام الدورة التاسعة هذه». لكن الجواب لا يُقنع أحداً، إذ كيف يُعقل أن يُقام مهرجان في ظلّ غياب مديره؟ «أعتقد أن هناك مشكلة في التوقيت. اعتدنا تنظيم الدورات السابقة في تشرين الثاني من كل عام»، كما قال حمّود، مضيفاً أنه لا يعرف سبب الإصرار على أن تُقام الدورة الجديدة في هذه الفترة: «لا بُدّ من الاعتراف بمسألة مهمّة: اشتغل محمد هاشم كثيراً لتنظيم هذه الدورة، فتابع من مقرّ إقامته عملية الاختيار وتصميم الكاتالوغ والملصقات وطباعتها، وتفاصيل الدعايات والبحث عن رعاة والتسويق. أشرف على كل شيء تقريباً». غير أن حمّود مقتنع تماماً بضرورة أن تكون هناك مؤسَّسة تدير المهرجان فعلياً، وتوزّع المسؤوليات على العاملين فيها، كي يتسنّى لكل واحد منهم أن يقوم بعمله بدقّة: «يُفترض بأحد منا أن يتابع المسائل اللوجستية أيضاً، كي تصل الأفلام المختارة في وقت باكر، يكفي لمعاينتها وتجهيزها للعرض في الموعد المحدّد لها، كي لا نقع جميعنا في مشاكل اللحظة الأخيرة». من جهتها، قالت عبير هاشم إن هناك ضغطاً تعرّض له منظِّمو هذه الدورة، «لأننا لم نشأ مزيداً من التأخير والغياب. أعتقد أن عامين اثنين كافيان للغياب، وباتت العودة ملحّة. هناك الاحتفال بالذكرى العاشرة للتأسيس، التي نسعى إلى أن تكون احتفالية وكبيرة في الدورة العاشرة المقبلة، والعودة اليوم جزءٌ أساسي من التحضيرات المتعلّقة بهذا الاحتفال».

جغرافيا مختلفة

إلى جانب هذا كلّه، توقّف الثنائي حمّود وهاشم عند مسألة الانتقال من شارع الحمرا (مسرح المدينة) إلى الأشرفية (سينما «متروبوليس/ أمبير صوفيل»): «كنا نرغب بشدّة في تنظيم الدورة الحالية في «مسرح المدينة». اضطررنا إلى اختيار «متروبوليس»، لارتفاع الأسعار في الحمرا»، كما قال حمّود. «وُضِعت شروطٌ صعبة على مهرجان يعرف كثيرون جيّداً أن ميزانيته متواضعة للغاية»، كما أشارت هاشم، مضيفة أن إدارة «متروبوليس» قدّمت تسهيلات «تتلاءم وظروفنا، فوقّعنا معها اتفاقاً جيداً، وإن خسرنا بعض المشاهدين الذين يُفضّلون شارع الحمرا». من جهته، قال حمّود إن مديرة «متروبوليس» هانيا مروّة سهّلت أموراً كثيرة: «قدّمت أشياء ممتازة على الصعيد التقني، فالصالة مجهّزة بآلات عرض بصرية وسمعية جيّدة جداً، لأنها تؤمن بالحضور الثقافي للفيلم الوثائقي، ولأن الصالة معنية بعرض أفلام مختلفة، وبتنظيم مهرجانات سينمائية. في «مسرح المدينة»، كنّا نؤمِّن كل شيء، ما أدّى إلى ارتفاع التكلفة». وردّاً على قول عبير هاشم إن الانتقال إلى «متروبوليس» جعل المهرجان «يخسر» بعض جمهوره، تساءل حمّود عمّا إذا كان غياب سنتين والانتقال إلى منطقة أخرى أثّرا سلباً، هما أيضاً، في عدد المشاهدين: «هناك أفلام محتاجة إلى مشاهدين عديدين، للتمتّع بالجماليات المهمّة التي تميّزها، شكلاً ومضموناً. انزعجتُ جداً عندما عُرضت هذه الأفلام في صالة «فارغة». شهدت الأيام الثلاثة الأولى غياباً ملحوظاً للجمهور، تمّ التعويض عنه في أيام لاحقة وحفلات متفرّقة». غير أن العدد ارتفع، قليلاً أو كثيراً، «في الحفلات الليلية»، كما قالت عبير هاشم، في حين أن حمّود، الذي رأى أن حفلات الساعة السادسة شهدت إقبالاً جيداً أيضاً، أعاد سبب ارتفاع عدد الأفلام المختارة إلى مئة فيلم في هذه الدورة، وبدء العروض اليومية في الرابعة بعد الظهر، إلى رغبة ما في جعل الجمهور يعتاد مشاهدة الأفلام نهاراً: «في أي حال، أرى أن ما فعلناه في هذه الدورة اختبارٌ لدراسة الجمهور ومعرفة مزاجه وانفعاله وتفاعله مع الأفلام. لعلها أخطاء نرتكبها اليوم، لكننا نتعلّم منها ما يفيد الدورات اللاحقة».
في جولة سريعة داخل الصالتين المخصّصتين بالمهرجان، في أيام متفرّقة من أيام الدورة التاسعة، بدا واضحاً أن أزمة الجمهور طاغية. فاللبنانيون معتادون مقولة «خاطئة»، مفادها أن الفيلم الوثائقي تلفزيونيٌ، وأن مضامينه المستلّة من الواقع معروفة لدى جمهور الشاشة الصغيرة، بفضل نشرات الأخبار والتحقيقات المصوَّرة. غير أن الانتقال الجغرافي إلى صالة أخرى متخصصة بتنظيم المهرجانات السينمائية المتفرّقة («مهرجان الفيلم اللبناني»، «أيام بيروت السينمائية»، «مهرجان السينما الأوروبية» و«مهرجانات» كوليت نوفل التي تتّخذ أسماء عدة) يُفترض به ألاّ يؤثّر سلباً، إلاّ إذا كانت العلاقة بين المهتمّين بالنشاطات السينمائية والمهرجان الوثائقي تحديداً غير سليمة، بسبب النظرة اللبنانية إلى الفيلم الوثائقي. ذلك أن المهرجانات الأخرى، باستثناء «مهرجانات» نوفل، تشهد إقبالاً متميّزاً بحسّ ثقافي ورغبة ذاتية في متابعة الجديد، لبنانياً وعربياً وأوروبياً. هناك أيضاً مسألة النمط السينمائي المعتمَد في هذه الأفلام: هل الأفلام الوثائقية «السياسية» أقدر على جذب الجمهور، كما حصل في افتتاح الدورة التاسعة مثلاً، التي شهدت عرض «الراديكالي الأميركي: محاكمات نورمان فنكلشتاين» للثنائي ديفيد ريدجن ونيكولا روسّييه؟ «لا تنسى أن هذا الشخص معروفٌ في الأوساط الثقافية والسياسية والأكاديمية اللبنانية»، كما قال حمّود، مشيراً إلى أن حفلة الافتتاح شهدت حضوراً لافتاً للانتباه، «ربما لأنها حفلة افتتاح، أو ربما لأن الشخصية المذكورة متميّزة. لا أعرف. هذه مسائل أحاول فهمها ودراستها لمعرفة حقيقة ما جرى. أودّ أن أسأل أنا أيضاً: هل المواضيع غير السياسية تعني الجمهور في لبنان، أم لا. أقصد الأفلام المعنية بشؤون اجتماعية وثقافية وإنسانية وبيئية مثلاً. لا أعرف».

مكانة الوثائقي

تعليقاً على هذه التساؤلات، أخبرني بعض المهتمّين بالفيلم والمهرجان الوثائقيين أنهم لا يكترثون بنوعية الموضوع، بقدر ما يرغبون في المشاهدة. تعنيهم الصورة وكيفية صناعة الفيلم الوثائقي، وتُشغلهم القضايا المطروحة أيضاً، وإن أبدوا اهتماماً أكبر بآلية المعالجة وشكلها غالباً: «لكن، قد يكون الأمر هكذا: فاللبنانيون منجذبون إلى السياسة أكثر من انجذابهم إلى المواضيع الأخرى»، كما قال المشاهد حسّان حامد. «لا تنس أن هناك تنويعاً مهمّاً يُقدّمها برنامج يحتوي على مئة فيلم. هذا بحدّ ذاته مهمّ، وما على المشاهدين إلاّ أن يختاروا ما يجدونه ملائماً واهتماماتهم»، كما علّق المشاهد حسام بدر الدين، الذي ردّ عليه المشاهد فارس عزيز بقوله إن التنويع يُفترَض به «أن يجذب هؤلاء المشاهدين للاطّلاع على الاختلافات المتفرّقة في المعالجة والتصوير والمونتاج مثلاً، إن اهتمّ المشاهدون أساساً بالسينما الوثائقية، وليس بالأنواع والأشكال فقط». رأى هؤلاء أن «مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية» قدّم، في دوراته السابقة، عدداً لا بأس به من الأفلام المهمّة، التي أثارت لدى بعضهم حشرية المتابعة الدقيقة للنتاج الوثائقي، أو دفعت بعضهم الآخر إلى البحث في المواضيع الإنسانية والاجتماعية والسياسية المطروحة فيها، بعيداً عن الجدل القائم حول طبيعة المهرجان وكيفية تنظيم دوراته وآلية اشتغاله واختيار أفلامه. بهذا المعنى، يُمكن القول إن المهرجان مارس دوراً تحريضياً على مستوى الاهتمام بالفيلم الوثائقي أولاً، وبالقضايا المطروحة ثانياً. وبهذا المعنى أيضاً، يُفترض بالقيّمين على المهرجان الوثائقي البيروتي هذا أن ينتبهوا إلى أناس شغوفين بما يفعلونه، ما يُرتّب عليهم مسؤوليات كبيرة، منها ضرورة البحث الجدّي عن السبل كلّها، الكفيلة بتطوير المهرجان وبلورة آفاقه الإبداعية والجماهيرية. فعلى الرغم من التساؤلات المتعلّقة بكواليس «صناعة» هذا المهرجان، هناك أناس يسعون إليه، ويناقشون أفلامه، ويبحثون عن المزيد، وإن كان عددهم قليلاً.
لكن، ماذا عن اختيار الأفلام في دورة هذا العام؟ قال علي حمّود إن الأهمّ في المسألة كلّها كامنٌ في ضرورة عدم حصر المُشاهدة والاختيار بشخص واحد فقط: «صحيح أني شاهدت الغالبية الساحقة من الأفلام المُرسَلة إلينا، لكني ارتأيت التعاون مع شخصين اثنين لديهما هواجس وخلفيات سينمائية وثقافية مختلفة، هما هاغوب ديرغوغاسيان وإيلي أبو سمرا، لأن لكل واحد منهما مزاجاً خاصّاً به يُمكنه إغناء الاختيار والبرمجة بتنويعات لا يستطيع تقديمها شخص واحد. لا تنسَ أن هذه المسألة كانت موجودة في الدورات السابقة، إذ كانت لجنة المُشاهدة والاختيار مؤلّفة من محمد هاشم ورين متري وأنا. اليوم، تبدّلت الأسماء وظلّ هاجس التنويع أساسياً. هناك أفلام اخترتها أنا، لكن أثناء المناقشة مع الصديقين ديرغوغاسيان وأبو سمرا، اقتنعت بوجهة نظر مخالفة لرأيي، فتمّ استبعادها. حصل العكس أيضاً في بعض الأحيان». أضاف حمّود أن لجنة كهذه يجب أن تتوسّع وتنشط في أكثر من اتجاه: «لا يكفي أن يُرسل المخرجون أفلامهم إلينا، لأن الأهمّ كامنٌ في ضرورة حضور عاملين في «مؤسّسة» المهرجان، أو المدير الفني على الأقل، مهرجانات سينمائية وثائقية، لمشاهدة مختلفة ومتابعة أدقّ، ولإقامة تواصل مباشر مع السينمائيين والمعنيين. هذا يمنح المهرجان حضوراً أفضل وأقوى في المحافل السينمائية العربية والدولية». وعلّق حمّود على مسألة أخرى: «يجب تأسيس سوق سينمائية للفيلم الوثائقي، كي يُستقطب العاملون في هذا المجال، وكي يُروَّج للأفلام في المكان الصحيح. هذه مسألة محتاجة إلى تحضيرات كثيرة. ربما يستطيع المهرجان تنظيمها في الدورة المقبلة».