٢٠٠٩/١٠/٢٠

TOKYO SONATA

واخيراً ، حظيت بفرصة مشاهدة فيلم المخرج كيوشي كوروساوا " معزوفة توكيو " - الذي اتابع اعماله باستمرار في حال توافرها على اقراص المدمجة - و كان عرضه الاول مشكوراً ( وبشدة) ضمن الدورة التاسعة لمهرجان بيروت الدولي للافلام هذه السنة.

"معزوفة توكيو " (Tokyo Sonata) يأتي في زمن الازمات الاقتصادية و ارتفاع معدل البطالة في العالم و انعكاساتها محلياً. لكن تلك الازمات تجدها انعكاس طبيعي لتبدل في ظروف العمل و تقليص حجم الانفاق و بالتالي الاستغناء عن خدمات عدد كبير من الموظفين. يتحول الموظف بين ليلٍ و ضحاه الى عاطل عن العمل و يتوقع أن يجد بديلاً لكن البديل لا يأتي بسهولة ابداً.

السيد نوماتا (الذي يؤدي دوره الممثل تيرويوكي كاغاوا) يجد نفسه مجبراً على ترك عمله بعد أن تم الاستغناء عنه ، و لصون كرامته أمام اسرته يضطر الى الادعاء غير ذلك و الذهاب يومياً في رحلة البحث عن وظيفة مناسبة تليق بمأهلاته. يشعر نوماتا أن المفاهيم السابقة التي تربى عليها لم تعد ممكنة و أن عالمه فد اهتز ، وأن عليه أن يتأقلم مع الوضع الحالي وان اضطر الى الوقوف لساعات طويلة سعياً وراء وظيفة ، و احياناً اكل وجبة رخيصة مقدمة من لجان مساعدة المتسكعين و العاطلين عن العمل. سلتطه في المنزل تتعرض للاهتزاز ايضاً، عندما يتحداه ابنه الكبير - الذي يجد حياته كالورق الملقى عبثاً في مياه النهر - بالاصرار على الالتحاق بالجيش الامريكي في العراق . تلك الامور تستدعي اعادة النظر بالمُثل التي لم تعد قائمة في عصر خلق تحديات و هزائم هي من صنيعة ذاك المجتمع ذاته الذي يعيد انتاج نفسه. في حين يحاول الابن الاصغر ، المفتون بمعلمة البيانو ، يحاول اقناع والده بالالتحاق بالدروس الخصوصية للعزف علي البيانو و لكن من دون جدوى ، لكنه يعمد الى استعمال مال الوجبات المدرسية لدفعها سراً للدروس الخصوصية . في حين أن الزوجة ميغومي ( الممثلة المبدعة كيوكو كيوزومي) هي الزوجة الداعمة لزوجها و أولادها ، أي دورها تقليدي في الدفاع عن رغبات ابنائها و اعداد الطعام .

جلوس العائلة الى مائدة الطعام تشي بالكثير عن طبيعة العلاقات الاسرية . يلتزم الجميع الى مأدبتهم ، رب الاسرة يآذن ببدء الأكل و هكذا يشرع الجميع الى التهام وجبتهم . يشرع الاب الى الاستفسار من ابنائه عن يومهم و هكذا ... تلك اللحظات قد يعكرها كلام من هنا و من هناك و يغادر أحدهم المائدة تاركاً الكل يجول بأفكاره.... تلك و غيرها من المشاهد تثير الكثير من قضولنا لانها تشبه يومياتنا. و هنا يأخذ المخرج كوروساوا تلك اللحظات في صميم تسلسل فيلمه.

من تابع أفلام المخرج كيوشي كوروساوا ، قد يفاجئ بمدى ببساطة أحداث الفيلم ، و هو المعروف لفترة من الوقت بأفلام الرعب و الغموض بدأً من فيلميه المشهوريين "دواء " (Cure) و "نبض" (Pulse) ، يغرد خارج السرب في "معزوفة توكيو " لانه من المخرجيين اللذين لا يقفوا عند نوع معين من الافلام بل تسمح لهم ابداعاتهم التوسع خارج الاطار و الخوض في تجارب غير ملتزمة بمسار معين سينمائياً. وفي حالة "معزوفة توكيو" تبدأ لمسات المخرج بالظهور في الجزء الثالث من الفيلم حين تأخذ الامور بالتعقيد والغوص في الغموض ، حتى و كأن الامور تأخذ منحى السريالية و الكابوس المزعج الذي ما أن يبدأ حتى تبدأ العلاقات بالتلاشي و الاضمحلاح في وعاء من الفراغ (اليس " التنبئ " The Shinning للمخرج العظيم كوبريك نموذجاً عن تداخل الكابوس الذي ينقلب حقيقة و يدمر حياة الاسرة بعيداً عن الجميع ؟)

غياب المخرج لفترة من الزمن و عودته المفاجأة هي عودة محمودة و متوقعة من مخرج يعرف تماماً ما يريده و كذلك جمهوره و المعجبين بأعماله.

ليست هناك تعليقات: