٢٠٠٩/٠٣/٣٠

ما الذي حدث للتو ؟


في أحد الايام خرج روبرت آلتمان بفيلم " الاعب " (١٩٩٢. The Player) ليروي بشكل هزلي تفاصيل حياة أحد المنتجين المهمين في هوليوود ، غريفين ميل (تيم روبنز) ، الذي يُقّدم على ارتكاب جريمة ضد كاتب سيناريو لاعتقاده انه خلف رسائل تهدده بالقتل . الاهم من تلك الحبكة الميلودرامية ، هو دخول الفيلم في كواليس الاعمال داخل استيديوهات هوليوود ، وكيف تقيم الافلام من ناحية الربح و الخسارة و كيف يناضل المخرج في سبيل انقاذ رؤيته من مقص المموليين ، و يتمرد الممثل على المؤسسة ، و كاتب السيناريو الذي يعاني الامرين ... تلك التفاصيل تتكرر مجدداً في جديد المخرج باري ليفنسون " ما الذي حدث لتو ؟ " (what just Happened . ٢٠٠٨) ، المأخوذ عن كتاب أرت لينسون " ما الذي حدث لتو ؟ حكايات مريرة من الوجهة الامامية لهوليوود " ( what just happened ? Bitter Hollywood tales from the front line) ، يروي فيها تجربته كمنتج سينمائي.

الممثل روبرت دينيرو يلعب دور المنتج ، بين ، يشاهد أول عرض لفيلمه " بغضب" (Fiercely) ضمن عرض تجريبي وسط تقيم الجمهور،
و خلال المشهد الاخير للفيلم تتجه رصاصة قاتلة يطلقها الاشرار صوب رأس كلب الممثل شون بين ويتطاير الدم ليغطي الشاشة و هذه اللقطة تثير اشمئزاز و نفور المشاهدين مما يأسس لبداية متاعب المنتج بيّن ، يسعى من بعدها للاتصال بالمخرج جيريمي برونيل (مايكل وينكوت) ، ذو اللكنة البريطانية الحادة، ليبدأ التحظير للدفاع عن رؤيته أمام مديرة الاستوديو لو تارنو (كاثرين كينير ) و التي تهدد بسحب الفيلم قبل عرضه في مهرجان كان ما لم يتم حذف مشهد موت الكلب.

من هنا تتشابك عدة فصول داخل القصة : تزايد شكوك بيّن من زوجته السابقة عن علاقتها بأحد أصدقائه ، تمرد الممثل بروس ويليس ، الذي يلعب نفسه ، على الجميع لانه بكل بساطة يريد الاحتفاظ بلحيته في حين أن المطلوب منه أن يظهر كبروس ويليس الذي تعود عليه المشاهدين دائماً ، حليق الوجه و الرأس و متحذلق غير جدي.

باري ليفينسون يعالج الفيلم بشكل كوميدي ، وهذا ما يطبع أفلامه عادةً ، فعندما تلجىء الادارة الامريكية للتغطية على فضيحة الرئيس تخترع حرباً في دولة متخيلة لالهاء الرأي العام كما جاء في فيلمه " حرك ذيل الكلب " (Wag the Dog. ١٩٩٧) ، وكذلك الامر مع الجندي الامريكي ، يلعب دوره الممثل روبرن ويليمس، الذي يأخذ من الراديو وسيلة تواصل مع الجنود في فيتنام بدلاً من العراك في " صباح الخير فيتنام " (Good Morning Vietnma . ١٩٨٧) . كلها وسائل اعلامية للتواصل سواءاً كان في التلفاز الذي يمكن فبركة قضايا ما و بثها للجمهور لتحوير وجهة نظره ، أو الراديو أو حتى السينما و عالمها المليىء بشغف ، نجاحات و انكسارات ، صعود و من ثم تلاشي.

لكن " ما الذي حدث لتو ؟ " يبقى في العموميات و لا يمتلك الجرأة الكافية للغوص في التفاصيل ، لسبر معالم الفساد و الجشع في هوليوود. رحلة المنتج المحنك من بيته و انصرافه الى الاعمال اليومية في عالم صناعة الصورة لا تستثمر في مشاهد اكثر أهمية لمعالجة الاحباط الذي قد ينتهي عنده اليوم ، لعل سكورسيزي دخل في التفاصيل أكثر في حياة ذاك الشاب الطموح الذي حول شغفه بالطائرات الى صناعة سينمائية، صرف جهداً وفيراً في سبيله لكنه دخل الى روحه الخاوية كمن يدخل الى قاعة سينما على وقع فيلم يتمزق أمامه و يتلاشى ، هذا في " الطيار" (Aviator . ٢٠٠٤).

لعل مشهد انتقام المخرج جيريمي برونيل من الجميع عندما يعرض النهاية كما هيا في مهرجان كان بعدما وعد بحذف مشهد موت الكلب ، يستحق الاطراء لانه يعرض بشكل واقعي الى جانب من الضغوط التي تصطدم فيها رؤية المخرج مع تطلعات الممول في صناعة الفيلم و قد تتلاقى أحياناً كثيرة . فواحد يعي أهمية رؤيته للفيلم من الناحية الفنية و الحبكة الروائية بكل تفاصيلها و أخر يراى الفيلم كفرصة للربح و الاستثمار ، و هذه في طبيعة الحال صناعة تجتمع فيها جميع العناصر لتكوين نواة و احدة و هي الصناعة السينمائية ، ليس الفن وحده قادراً على النهوض خارج التمويل الذي هو في النهاية تسويق للمنتج و ايصاله لاكبر قدر ممكن من المشاهدين الذين بدورهم يساهموا في اكمال هذه الصناعة، لكن في حدود أن المشاهدين قد ينفروا من هكذا مشهد و بالتالي تضيع حظوظ الفيلم بالنجاح.




ليست هناك تعليقات: