٢٠٠٩/٠٣/١١

مصادفات قاتلة

بدأ التخطيط للعملية مساءاً و جاء التنفيد الشيطاني في الصبا ح الباكر . هكذا قرر مايكل ماكليندون أن ينهي حياة أشخاص يتمتعون بالحياة لانه أصبح من دون عمل في يومٍ من الايام. هي لحظات من الاستسلام لوهن اللحظة من دون مواجهتها بل الخضوع لكل ما تحمله من وهن و انحطاط فكري و عدمية نهلستية.

في مدينة سامسون بولاية آلاباما ( البعيدة نسبياً عن مدينة بيرمينغهام حيث كنت أسكن. تقع الى الجنوب و محاذية لحدود ولاية فلوريدا)، أقدم مايكل ماكليندن على حرق بيت والدته و أخذ من بعدها يطلق النار بلا هوادة على أربعة أعضاء من عائلته كانوا يجلسون بالجوار ، من بعدها ركب بسيارته و توجه الى جنوب شرق سامسون في مقاطعة جينيفا و فتح فوهة مسدسه من نافذة سيارته على كل من صادف مروره سواءاً من امرأة تغادر محطة البنزين، أو من رجل يقود سيارته بجوار القاتل أو حتى من شخص حاول الفرار لكن القاتل عاجله برصاصه من الخلف . الاحتياط الكافي من الرصاص ساعده في افراغ ناره العشوائي مصيباً شرطي و طفل بجراح بالغة. الى أن وصل ماكليندون الى معمل صناعة الحديد كمحطته الاخيرة لافراغ جنونه في كل من ساهم ولم يساهم في طرده، لكن الشرطة لاحقته الى المكان و دار تبادل اطلاق النار الى ان وجه مسدسه الى نفسه و أطلق النار لينهي حياته.

ماكليندون لم يأتي بجديد في سلسلة ثورات القتل الجماعي التي تعصف بكل مدينة أمريكية، مخلفةً ورائها عشرات القتلى و مئات الجرحى كل سنة. المخرج مايكل مور في " بولينغ من أجل كولومبين " (٢٠٠٢) - أعقبه غاس فان سانت في السنة التالية بفيلم " الفيل" (٢٠٠٣) يروي فيه تفاصيل القتل المجاني داخل مدرسة كولومبين من زاوية الشاب العشريني الذي دار عملية القتل العشوائي - لامس الموضوع من نواحيه كافة من حيث توافر السلاح بين أيدي الافراد بكثرة وسط لا مبالاة الحكومة بتقيد انتشار السلاح بين أفراد المجتمع ، و جشع تجار الاسلحة و الجنون المستحكم بالعقليات و النفوس حول العنف. لكنني هنا لست بصدد الدخول في ثقافة العنف و الافلام التي سلطت الضوء على هذا الموضوع لانه ملف طويل ومتشعب تم التطرق اليه عبر تاريخ السينما.

لكن ما لفتني للكتابة عن حادثة اليوم ، هو القتل بالصدفة. في رائعة المخرج كونتين تارنتينو " بولب فيكشن " (١٩٩٤) ، يصادف مرور بروس وليس ، الهارب من مباراة الملاكمة المدفوعة سلفاً، من أمام رئيس العصابة مارسيلوس والس ، الذي يلاحقه بمسدسه محاولاً التخلص منه في الشارع ، يصيب خلاله فتاة شاء مرورها بالصدفة من أمام القتال الدائر. هذا المشهد يتكرر في " الغضب" (١٩٩٥) للمخرج مايكل مان ، حين تحتدم المواجهة ما بين لصوص البنك و الشرطة في قلب شوارع مدينة لوس أنجليس ويذهب ضحيته المارة و الموظفين ممن فوجئوا بتلك المعركة العنيفة . المشهد يتطابق مع كل الحوادث الحقيقية لحفلات القتل المجاني، لدي خروج ميكي و مالوري من عذاباتهم السيكولوجية منذ الصغر الى شوارع المدن لافراغ نقمتهم على ذاك المجتمع الذي ساهم في ايصالهم الى أن يكونوا على ما هم عليه في
" طبيعة قتلى بالولادة" (١٩٩٤).

أحدهم قال يوماً " أن غذابات أميركا سوف تلاحقها الى الابد" ، و هذه العذابات تنفخ في روح ماكليندون و غيره على مرور الزمن محوليين يوماً عادياً الى جحيم عشوائي على قارعة الطريق.

هناك تعليقان (٢):

كمال حاجو يقول...

مقال جيد.
الامس و كل يوم ستقرأ عن جرائم القتل العشوائية و هذه الهستيرية الامريكية. في الامس دخل رجل مسلح الى دار عجزة في شمال كارولينا و فتح النار على المرَضى و الممرضات.

كمية العنف الموجود على شاشات التلفاز هنا غير طبيعية . هل لهذا العنف المجاني كما سميته أي مبررات ؟

ali hammoud يقول...

عزيزي كمال ...

شكراً للتعليق. العنف يكمن في كل انسان لكن هنالك معاير تحد من اللجوء اليه بفعل عوامل عدة. لكن المشكلة هنا أن العنف متجسد بأشخاص غير قادرين على مواجهة فشلهم ، يرتبكون سريعاً، و يصبحوا غير قادرين على اللجوء الى أحكامهم ، و يتصرفون تلقائياً بسرعة جنونية . لست محللاً نفسياً لكن هذا ما يبدو من تصرفاتهم.

التحدث عن محتوى التلفاز واسع و مطول ، لكن ان كنت تقصد السينما فهي بلا أدنى شك كالمرآة التي تنقل الحالة التي وصلت اليها البشرية، لكن بعضها يلهو بفكرة العنف لمجرد الاثارة لا أكثر و لا أقل.