٢٠٠٩/٠٣/١٩

مهرجان بيروت الدولي للافلام الوثائقية (DocuDays) الذي عملت فيه كمبرمج أفلام منذ ٢٠٠٥ لغاية توقفه المؤقت لاسباب عدة بعد حرب تموز ٢٠٠٦ ، يلفت الزميل نديم جرجورة في جريدة السفير الانتباه لأهمية هذا المهرجان ضمن نطاق العمل الفني و الثقافي في العالم العربي .
--------------------------------------------------------------------------------------------------

نديم جرجورة

تفتقد بيروت واحداً من مهرجاناتها الأقدم تأسيساً، والأثبت في استمرار مؤسّسيه تنظيم دورات سنوية. فمنذ ثلاثة أعوام تقريباً، أقيمت الدورة الثامنة لـ»مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية»، بعد أسابيع قليلة على انتهاء الحرب الإسرائيلية ضد لبنان، صيف العام 2006، وهي الدورة الأخيرة له، بعد أعوام عكست جهداً لافتاً للانتباه في مستويات عدّة، أبرزها قدرة إدارته على إفراد مساحة متواضعة لأفلام وثائقية أجنبية وعربية، امتلكت جماليات فنية وتقنية ودرامية مختلفة. وعلى الرغم من الالتباس الكبير الذي رافق آلية تنظيم الدورات الثماني، استقطب المهرجان أسماء وعناوين سينمائية، شكّل (بعضها على الأقلّ) جزءاً بارزاً من المشهد الوثائقي الدولي؛ وبات إحدى النوافذ العربية القليلة لإطلالة غربية على النتاج العربي، ولتواصل عربي مع الغرب، مهرجانات وعروضاً متفرّقة.
لم يكن المهرجان البيروتي هذا أسير التنافس على الجوائز، لأنه ارتأى، منذ البداية، أن يُفسح مجالاً أساسياً للفيلم الوثائقي كي يُقدّم نفسه أمام المهتمّين به، ولهؤلاء الأخيرين كي «يتمتّعوا» بمشاهدة الروائع المصنوعة في العالم. ولأنه رأى في اختيار اسمين اثنين في صناعة هذا الفيلم، عربياً وأجنبياً، لتكريمهما سنوياً، أفضل من إغراق الأفلام ومخرجيها ومشاهديها في مسابقة «لا طائل منها» غالباً. بمعنى آخر، وعلى الرغم من الملاحظات المتفرّقة التي تُساق حوله، برهن المهرجان على اهتمام واضح بالجانبين الثقافي والفني، ومنح الفيلم الوثائقي أرضية محلية مهمّة وجميلة.
يُطرح سؤال غياب هذا المهرجان حالياً، لأن الجماليات الحديثة في صناعة الفيلم الوثائقي بلغت مرتبة رفيعة المستوى من اللغة البصرية الإبداعية، في لبنان والعالم العربي والغرب؛ ولأن الفيلم الوثائقي هذا يعاني صعوبات شتّى، تبدأ من تمويله وتكاد لا تنتهي عند البحث الدؤوب عن حيّز للعرض النخبوي والجماهيري معاً؛ ولأن العالم العربي منجذبٌ إلى النجوم والصناعة الروائية وفنون العرض المختلفة، على مستوى مهرجاناته الكثيرة، على حساب الفيلم الوثائقي، المحتاج إلى مهرجان مستقلّ بحدّ ذاته، علماً بأن مهرجان الإسماعيلية في مصر، مثلاً، أشرك مع الوثائقي أفلاماً قصيرة وتجريبية، بالإضافة إلى أفلام التحريك؛ بينما لا تتردّد إدارات مهرجانات عربية أخرى عن تخصيص جانب من برمجتها بهذا النوع السينمائي، لكن ضمن إطار برنامج منفتح على الأنواع البصرية كلّها، في حين تخصّص مهرجان المحطّة التلفزيونية الفضائية العربية «الجزيرة» بالجانبين التلفزيوني والتسجيلي، أكثر من أي شيء آخر.
أما الطامة الكبرى فكامنةٌ في عدم انتباه متلهّفين على تأسيس مهرجانات سينمائية جديدة، في لبنان والعالم العربي، إلى الأهمية الإبداعية للفيلم الوثائقي، وفي عدم إيلائهم إياه أدنى اهتمام، وعدم رغبتهم في بذل جهد ما من أجله. ومع أن المهرجانات اللبنانية الأخرى تختار أفلاماً وثائقية، إلاّ أن هذه الأخيرة محتاجة إلى مهرجان خاصّ بها. غير أن الراكضين وراء بهرجة إعلامية وقطاع عام، منشغلون عن السينما باستعراضاتهم الإعلاميّة الباهتة.

ليست هناك تعليقات: