٢٠٠٩/٠٣/١٣

And So It was

وذات يوم قررت أن أترك التلفزيون وأغادر تاركاً ورائي سنتين لم تقدم أو تأخر كثيراً في حياتي. ذات يوم أتت لي فكرة كتابة برنامج عن السينما بكل جدية للتلفاز . لم يكن الهدف من البرنامج التعاطي بميوعة مع الموضوع ، لانني ملتزم سينمائياً وسأبقى كذلك ما دمت حياً. لم يكن الهدف منه التركيز فقط على الممثل أو الممثلة بل تحديد دور المخرج و كاتب السيناريو و الخلفيات الاخرى في الفيلم . المشكلة كانت في تعاطي التلفزيون مع الحلقات ، لانه صاحب الانتاج ، وهذا خطأ ، لان اسناد العمل الى شركة انتاج متخصصة قد يحقق نتيجة أفضل ان على صعيد التصوير ، الاخراج و نوعية المنجز. الحلقات كانت عبارة عن مقدمة البرنامج ( حسنة المظهر و تمتلك الثقافة اللازمة و ليست من أصحاب التبرج و الادعاء فقط. و لانني لست مع التميز الجنسي هنا ، مع أن الاختيار لا يعود لي فقط، و لكنني اعتمدت على معيار المعرفة و الثقافة لا على الجنس) تجلس في غرفة بروجيكتر و خلفها أفيش الافلام و باكورات قديمة و تتحدث عن فيلم السهرة الذي سيعرض بعد قليل و أحياناً تنتقل المقدمة الى صالة عرض حقيقية لتقديم الحلقة. خلال الحديث عن المخرج (ة) أو الممثل (ة) ننتقل الى أحد أعماله(ا) القديمة و نشاهد بعض اللقطات ، وبعدها يتم عرض فيلم السهرة.

اختيار فيلم السهرة لم يكن سهلاً نظراً لعدة عوامل : القائمة طويلة لكن ليست كل الافلام الجيدة ( مثلاً " سفر الرؤيا" للمخرج الرائع فرانسيس فورد كوبولا ناظلت من أجل الحصول عليه لكن دون نتيجة ) يمك الحصول عليها نظراً لان بعض الافلام لا يحق لها أن تعرض فضائياً بينما يمكن عرضهآ محلياً أو العكس ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى ليست كلها في جعبة الموزعين و اعطاء حقوق عرضها قد يستغرق شهوراً بل سنة أو سنتين أحياناً ، هذا بالاضافة الى تراوح السعر من فيلم الى آخر. الا أنني استطعت أن أجد الافلام القادرة على تحقيق الغرض من البرنامج. ثلاثة أفلام ، على ما أذكر ، تم عرضها على الشاشة للمخرج مارتن سكورسيزي من بينها " شوارع قاسية" (١٩٧٣)، " عصابات نيويورك" (٢٠٠٢) و "ملك الكوميديا" (١٩٨٢) ، و كذلك فيلم لرابورت آلتمان ، وآخر للمخرج جون بورمان و البريطاني مايك لي ، وصولاً الى فيلم "سوف تحملنا الرياح " (١٩٩٩) للمخرج الايراني عباس كيروستمامي ، الذي استضفت يومها الناقد و المخرج السينمائي فجر يعقوب ليتحدث عن المخرج و عن كتابه " عباس كياروستامي : فاكهة السينما الممنوعة " .

لكن البرنامج لم يدم طويلاً قبل أن يتحول الى مهزلة من الامبالة سواءاً من مخرج الحلقة ( ويعيني على البطاطا) ، و بعد فترة من الوقت من الادارة ، مع أنه كان يحقق نسبة مشاهدة عالية مقارنة مع برامج "الهشك بشك " (شكراً للريموت كونتول و لقناة كوكب الحيوانات) ، اضررت أن أنسحب بهدوء و كذلك فعلت مقدمة البرنامج.

في بعض الاحيان ، قد يحطم التلفزيون مواهبك و يحولك الى مجرد انسان آلي لا يملك قراره و تشعر معه و كأنك تتحرك داخل صندوق مغلق ، و في بعض الاحيان قد يستفيد من مواهبك ويواكب تطورها. هناك مخرجين و كتاب سيناريو و حتى منتجين انطلق نجمهم من على شبكات التلفزة. المخرج سيندي لوميت أتى من التلفاز الى السينما وليس العكس ، وهناك الكثير من المخرجين الذين حققوا أفلام للتلفزيون (لا يوجد أي شيء من هذا في عالمنا العربي الذي لا يقيم اى اعتبار لمثل هذه الاعمال) بشراكة بين شبكة التلفاز و شركات الانتاج السينمائية. كذلك فعل بعض كُتاب السيناريو الذين انتجوا لشبكات تلفزيون الكيبل في أميركا ، أوروبا و حتى أسيا ، الكثير من الاعمال التلفزيونية التي تشبه بحرفيتها الافلام السينمائية . هل هناك من لم يشاهد مسلسل المافيا " سوبرانوز" لكاتب النصوص و منتج بعض الحلقات ، ديفيد شايس ؟ كذلك فعل آلن بول في المواسم الخمسة لمسلسل " ستة أقدام تحت الارض " لعائلة تمتلك منزلاً متخصص بمراسم الدفن و عن علاقة الموت والحياة بكل فرد من أفراد الاسرة. و شبكة التلفزيون البريطاني (بي بي سي) انتجت مسلسل " المكتب" الذي حقق نجاحاً باهراً امتدت اصدائه الى الولايات المتحدة بسبب موضوعه الذي يدور حول أزمات العمل و الموظفين ، وقربها الشديد من تلك الموجودة في المدن الامريكية الكبرى . و الكثير الكثير قد يقال في هذا المجال.


Network

هناك فيلم يستحضرني الآن، لرمزيته و ليس الا، هو فيلم المخرج سيدني لوميت " الشبكة" (١٩٧٦) من تمثيل فاي دانواي ، بيتر فينش و روبرت دوفال ، في فيلم ساخر يدور حول محطة تلفاز تصارع من أجل الحصول على أعلى نسبة من المشاهدة تدفع بمقدم الأخبار هوارد بيل ( بيتر فينش) الى الحافة حين يأخذ بتذمره من على شاشة التلفاز استثارة اعجاب مدير المحطة ( روبرت دوفال ) عوضاً عن اتخاذه اجراء بحقه. وفي واحدة من أشهر الاقوال في تاريخ السينما، يقف هوارد من علي كرسيه و يصرخ " أنا غاضب كالجحيم ، و لن أتحملها بعد الآن " . هذا الصراخ يثير الجماهير التي تخرج الى نوافذها مرددة غضب هوارد. وهكذا يصبح هوارد وبرنامجه من أكثر البرامج شهرة على الاطلاق.

ليست هناك تعليقات: