٢٠٠٩/٠٢/٢٧

ريها ارديم و أيقونة الازمنة و الرياح




ماذا يمكن القول عن المخرج التركي ريها إرديم في فيلمه " أزمان و رياح " ؟ أولا ً، هو من جيل النهضة السينمائية الفنية للمخرجين الشباب في تركيا أمثال نوري بيلج سيلان (" مسافة " أو 'Uzak و " أجواء ") و زيمي ديميركبوز ( ثلاثية " حكايات الظلام" ، " مصير" ، " اعتراف" و " غرفة الانتظار" ) و فاتح أكن (المولود في هامبورغ الالمانية وله العديد من الاعمال منها " سنسين ... أنتِ الشخص" ،
" صدمة قصيرة قوية"، " رأساً على عقب" ، " عبور الجسر: صوت تركيا" ، " روح المطبخ "، و حديثاً " حافة السماء" ) و يسيم أوستاغلو ( عن فيلمها "رحلة الى الشمس ") و غيرهم الكثير ... يشقون طريقهم رويداً رويداً لتقديم كل ما هو جديد. ثانياً، كلفة الانتاج لم تعد عائقاً أمام مخرجين مصريين على انجاز آعمالهم بثقة متناهية و بطرح جدي و جريء . و ثالثاً ، التناغم المتعزز ما بين المخرج و أفلامه من جهة و الجمهور المحلي و العالمي من جهة أخرى.

يبقى أن تتخيل ريها إرديم و فيلمه " أزمان و رياح " ( " بيس كفيت " بالتركي ) قبل أن تشاهده : أن تتخيل ذاك الشاب المندفع و الهاديء في نفس الوقت، يستفيق يوماً من نومه باكراً، لان فكرةً ما مازالت تراوده منذ أمد و انه قد آن البدأ بتنفيذها. يجمع أغراضه على مضض و يغادر الى تلك القرية النائية المتراخية بنعومة على الجبال العالية ، يستقبله أهل القرية و يروي لهم فكرته ، يتشاورون فيما بينهم ويأتون له بالموافقة. يعايش يومياتهم و يكتب عنها و يمضي وقتاً طويلاً متجولاً بين أزقة القرية ، داخل بيوتها و بين أهلها الطيبين ، معيراً سمعه الى الصغار والكبار ليسمع قصصهم القصيرة التي يزداد منها لتركيب نصه ، يتجول برفقتهم بين السفوح و الهضاب، و بعد الانتهاء يعود الى كتابة نص السيناريو . يتوقف قليلاً لمزيد من الاطلاع و يعيش تلك اللحظات الهادئة ما بين تحولات الليل و النهار ، و من ثم يعود مجدداً الى إفراغ ما جمعه على كمبيوتره المحمول و اعادة صياغة بعض اللحظات من هنا و هناك الى أن ينتهي من النص. يعود الى المدينة و يجتمع بمنتجه عمر أتاي لاطلاعه على النص و يمهله يومين أو ثلاثة حتى يتسنى له قرائته. من ثم يتصل به عمر، المليىء ثقةً بأعماله، معلناً اعجابه الشديد بالسيناريو و عن امكانية المباشرة عما قريب بتصويره ، و هنا يولد فيلم " أزمان و رياح " بتوقيع ريها ارديم.

في جعبة المخرج ريها أرديم ثلاثة أفلام أولهم " يا قمر " الذي انتج سنة ١٩٨٩ إثر عودته من باريس حيث أنهى دراسته العليا في السينما و الفن الحديث حين انتقل اليها بعيد دراسة مادة التاريخ في جامعة بوغازيزي في اسطنبول . تلاه باخراج فيلمه الثاني " الركض خلف المال " لسنة ١٩٩٩ و الذي ترشح لجائزة الاوسكار آنذاك. " أنا خائف يا أمي " تلاه سنة ٢٠٠٤ وصولاً الى " أزمان و رياح " (٢٠٠٧) و السنة الماضية في" شروقي الوحيد" (٢٠٠٨).

" أزمان ورياح " لا يشبه غيره من الافلام التي تتناول حياة الريف بل هو قائم بحد ذاته ، بل يمكن تشبيهه بشجرة الصفصاف الوحيدة في ذالك الوادي المشمس التي يلجىء اليها الرعاة و الصبية للاحتماء بظلالها في يوم صيفي حار. يقتبس الفيلم يوميات ثلاثة صبية بالغين هم : عمر و يعقوب و يلديز . الشخصية المحورية في الفيلم هو عمر الذي لا يبدو متناغماً اطلاقاً مع والده، امام مسجد القرية ، محاولاً قتله بطرق مختلفة. ثاني شخصية هي ليعقوب المتيم بحب معلمته للغة الانكليزية ، أما يلديز ، فهي فتاة أبيها المدللة و الذي يحبها و يتوقع منها مساعدة زوجته بالاهتمام بأخيها الرضيع.


تركيبة العائلة التقليدية في ذلك الريف لا تشذ عن السلبية في الطريقة البطريراكية في تعامل الاب مع ابنه و كيف بدورها تنتقل من جيل الى جيل . لكن اختيار هؤلاء الشخصيات الثلاثة لنسج يومياتهم لا يأتي من عبث : فهم كالمتمردين على هذه العادات والتقاليد التي تقيدهم، لكن تمردهم يأتي بصمت و من دون اثارة تُذكر، فتصبح الطبيعة ملجئهم الوحيد ليفرغوا غضبهم و ليخلدوا في أحضانها في سباتٍ عميق يبدون فيه كمن يحاول الانتقال الى عالم آخر بعيد عن واقعهم.

الازمنة


العامل الزمني في الفيلم مقسم حسب تراتبية الصلوات الخمسة ، ابتدائاً من الفجر و مرور الوقت حتى الصلوات التالية. هذه التراتبية الزمنية في حركات عقارب الساعة تدل على الحياة البعيدة عن صخب المدينة ، تلك اللحظات التي تمر ببطىء في الريف الجبلي الذي يستيقظ قاطنيه باكراً للانصراف الى أعمالهم اليومية و عند حلول الليل يخلدون الى النوم غير عابئين بالسهر الى ساعات متأخرة من الليل. و هذه الدورة الزمنية تعيد الكرة من جديد من حيث تصرفات الافراد فيما بينهم. فذاك الاب الذي يحط من مقدار ابنه ويوبخه بشدة أمام بقية إخوته، يعاود من جديد فرض تصلفه. محاولات عمر للتخلص من والده تتكرر تباعاً الى محاولته التملص من الظهور في صورة تجمع أفراد العائلة، و كذلك الشىء مع يعقوب الذي يشاهد أبيه يُوبّخ من قبل جده و ينصرف لتلصص على مُعِلمته ؛ اعتناء يلديز بأخيها و حبها للطبيعة يتجدد تباعاً. هذه الشرائح المتشكلة من الايقاع اليومي للحياة غير مبنية لصناعة سرد روائي لمجريات الاحداث بل تغرف من تقاسيم الوقت الزمني لتشكيل مجتزئات أو شرائح مكتملة بحد ذاتها من شظف الحياة.

الرياح

حين يلجىء الصبية الى تلة الجبل لتأمل الايقاع الهادىء لعوامل الطبيعة من حولهم ، يلفهم الريح المتشكل ببطيء ويستجيب الى أفكارهم ، يرد بترددات صوتية ليلاً ليوقضهم من نومهم و يحملهم نهاراً بعيداً عن همومهم ليٌغرقهم بأحلام اليقظة بين أوراق الشجر و الاغصان و مكونات الطبيعة . هي الرياح نفسها التي تتشكل من حول ذاك الرجل الآتي من المجهول الى تلك القرية النائية و تحمله بعيداً الى هضبة الجبل بحثاً عن سيغنل لهاتفه النقال في فيلم "سوف تحملنا الرياح" ( ١٩٩٩) - لعنوان قصيدة الشاعرة/السينمائية الايرانية فاروغ فرخزاده - للمخرج عباس كيروستامي. تتبعهم الريح في خطواتهم كما الكاميرة المحمولة التي تتبعهم من الخلف حين يعبروا بين الازقة و بين الاحراش ،الذي يعيد الى الاذهان تقنية المخرج غس فان سانت في فيلم "الفيل" (٢٠٠٣) حين يتبع خطوات الشاب الهاديء داخل و خارج أسوار المدرسة. وتدور الكاميرة بشكل دائري من فوقهم (باستعمال محترف لتقنية الكاميرة المثبتة على "الكرين " أو العمود الطويل المتحرك والذي يتحكم به المصور ومساعده خلف شاشة مثبتة في مقدمته) حين يستلقون على حافة الجبل في استسلام هاديء لافكارهم لا يقرأه سوى الريح الهادر.


يبتعد بدوره المخرج المحترف ريها ارديم عن اثارة المشاعر العاطفية التي تنتمي الى سينما اثارة المشاعر، التي يقع فيها العديد من المخرجين وكتاب السيناريو، فيعتمد على الخلاص الذي يبقى ضمن السيكولوجية للفرد من دون تفاعلات أو اثارة لا جدوى منها. الفيلم هاديء و شاعري في ترك الصورة تعبر بشكل طلقائي عن معاناة الشخصيات و غير متكلف في صناعة الكثير من الكلام و يبقى فيما قّل و دل.

بعد عام من الانتهاء من التصوير ( تصوير : فلورانت هيري) و التوليف ، عاد ريها ارديم الى القرية و هذه المرة لعرض الفيلم بين ابنائها. حينها تشكل القمر فوق ناصية الشاشة في انتظار ردة فعلهم على الفيلم ، ارتبك ارديم في البداية لكن شعور بالطمأنينة تسرب الى خلجه لاحقاً عندما لاق ترحيبهم الا من مشهد طفيف. ( هذا السيناريو الاخير منقول عن حوار أجري مع المخرج نقل تجربته فيها )

٢٠٠٩/٠٢/٢٦

مقابلة / " آلشيطان في الداخل "


هنا مقابلة أجراها الناقد السينمائي (نيك جايمس) من صحيفة "سايت أند ساوند" في عددها الصادر لشهر مارس 2008، مع المخرج التركي نوري بيلج سيلان تحت عنوان " الشيطان في الداخل"
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
يتحدث نوري بيلج سيلان عن كوابيس توقض و شعور بالذنب يُأرق شخوصه مع نيك جايمس
المسيرة المتأنية للمخرج نوري بيلج سيلان تأتي من تجربة المصور الفوتغرافي سابقاً التي من خلالها يبني أعماله بشكل عضوي ، مستعيناً بأفراد من أسرته وأصدقائه. في فيلمه الاخير ، "أجواء"، الجميل في صرامة تلاشي العلاقات، يقوم بأداء الدور بنفسه بمحاذاة زوجته إبرو. هذه المرة، في " ثلاثة قرود" ، يتحرك مجدداً، كمحّترف لا يهدأ له بال، لمعالجة ميلودرامية للحرقة البطيئة للذنوب.

سيرفيت ، رجل أعمال طامح لتبوء السياسة، يقتل أحد الاشخاص في أحد الليالي في عملية كر و فر. يُقنع أيوب الذي يعمل كسائق لديه بالتواطأ مقابل مبلغ كبير من المال. زوجة أيوب ، هاسير، المنهكة من مشاكل ابنها إسماعيل تذهب الى سيرفيت لطلب المساعدة في شراء سيارة لابنها. و في وقت قصير تنشىء علاقة شبق بينهما تفضي لاحقاً الى غرز بذور جريمة من نوعٍ آخر.

جرى تصوير معظم مشاهد الفيلم في شقة محاذية لسكة الحديد ومطلة على بحر مرمرة، و يستلد " ثلاثة قرود" جواً مشبعاً بالحزن مصنوع من عواصف رعدية و سماء قاتنة بالون القرنفلي. هو خلاصة ما توقعناه تماماً من مشاهدتنا لجميع أفلام سيلان.



نيك جايمس: في " ثلاثة قرود" الحالة النفسية للشخصيات لها علاقة كاملة بالخطيئة و الذنب - فهي تحدد مسار الرواية بطريقة غير عادية.
نوري بيلج سيلان: أتسائل عن دور الشر. أنا أخاف عندما يفرض علي بقوة. فأحاول خلق موقف ما حين يفاجأنا الشر المضمور في داخلنا. على سبيل المثال، الولد عادةً لا يضرب أمه ، لكن هنالك بعض الحالات التي لا يستطيع السيطرة على نفسه.

ن. ج: هل هنالك خصوصية تركية للحالة التي يصفها الفيلم ؟
ن.ب.س: لا. يمكن أن تحصل في أية مكان. على سبيل المثال، من وجهة نظر عامة ، عندما يعلم أيوب بخيانة زوجته ، تكون ردة فعله - مجرد نظرة - قد تبدو غير عادية في تركيا. لكن حينما يخفي أيوب ما يعلمه ، لن يدري أحد بالامر. هذه الاشياء تحدث عادةً، لكننا نقرأ عنها في الصحف حين ينتقم الزوج عن طريق القتل. في هذه الحالة، الشخص الوحيد الذي يعلم قد قُتّل ، لكن اذا علّم رفاق أيوب ، فلن يكون بوسعه مسامحة هاسير (زوجته) ، لانه حينها سوف يشعر بالاهانة لبقية حياته. هذه السيكولوجية تنتمي لطبيعة البشر و ليس لثقافة معينة، لكن بالتأكيد طريقة السلوك يمكن أن تكون غالباً تركية.

ن.ج : أفلامك السابقة لم تجنح عادةً الى التشويق.
ن.ب.س : الشخصيات هنا تُبحر في الغموض و تعقيدات الموقف، فيحاولوا كسب المزيد من الوقت للتفكير ، مما يخلق التشويق. و على سبيل المثال ، لا أعمد الى إفصاح الكثير عن من قتل سيرفيت، و بذلك أكون قد خلقت المزيد من التشويق.

ن.ج : و أيضاً يبدو العمل أكثر تعبيرياً.
ن.ب.س : ليس لدي علم بذلك و غير قادر على أن أرى بعيون المشاهدين. بالنسبة لي هو بناء تقني . لكنه كان علينا أن نكون حذرين في خلق نوعاً من النبرة المتوازنة لانني لا أريد أن يساء فهمي. هنالك الكثير من الاشياء على المشاهدين انتقائها حول ما تشعر به الشخصية.

ن.ج : ما هو أول مشهد يأتي في البال ؟
ن.ب.س : مشهد الابن يضرب والدته . هذا الشيء رأيته يأتي من الغيرة ، و هذه من أكثر الاشياء المريرة التي قد يشاهدها الابن في الثقافة التركية. الام هي بمثابة الاله. يجب أن يكون هناك مبرر قوي لتفسير ضربها. تالياً يصبح الاب بالسجن.

ن.ج : مشهدين في فيلم "أجواء" قد يأتين من أفلام الرعب. والآن في " ثلاثة قرود" لديك الطفل الشبح.
ن.ب.س : أنا عادةً في حالة ما بين النوم و الاستيقاظ ، وهنالك ترى أشياء فظيعة. عندما أضع الطفل الميت في الفيلم ، لم أكن أدري على أي شاكلة سيظهر. في بداية الامر لم أكن أريد أن يظهر وجههه - مازلت غير متأكد من هذا الامر - لكنني حسبت أن زياراته ستساعد على جمع أفراد الاسرة. هو يثير عقدة الذنب فيهم ، فيظهر حين يفقدوا الامل أو عندما تزداد جراحهم. فيبدو تارةً كمن يقدم النصائح و تارةً أخرى من يحذرهم فيها.

ن.ج : لماذا لا يظهر الابن لهيسر ؟
ن.ب.س : لقد صورت هذا ، لكن عند المونتاج شعرت أنه يجب أن يأتي لؤلائك المليئين بالذنب عن مقتله. إسماعيل كان هنالك عندما غرق ولم يحرك ساكناً لانقاذه. النساء بارعات في إيقاظ الذنب لدي الرجال. إذا كانت هيسر أمي ، لكان لازاماً على اسماعيل توبيخ نفسه طيلة حياته.

ن.ج : كيف إخترت أماكن التصوير ؟
ن.ب.س : المنزل أقلقني كثيراً بسبب ضيق المساحة وقد يخلق نوعاً من الكآبة في الفيلم . لم نستطع أخذ زوايا مختلفة وكان علينا الاستعانة بالغرف المجاورة لأخذ اللقطات. ولم أكن أريد للمنزل أن يكون قرب البحر لأنه سيبدو جميلاً و في نهاية الامر إضطررنا أن نكون هناك لانني أريد سكة الحديد. اخترت المنزل لكيفية تناغم البلكون مع الداخل. وقد منحني الحرية لصياغة مشاهدي.

ن.ج : ما سر صرير الابواب ؟
ن.ب.س في السابق : أستعمل الصرير بدلاً من الموسيقى ليثيروا القلق و التشويق. لدي إحساس بهم و أجمع شتى الانواع . وقد يكون بعضها مؤلماً. في السابق كنا نعيش بمنزل خشبي قديم ملييء بضوضاء الصرير. فاذا كان ثمة ريح ، يكون الداخل كالسيمفونية. ولفهم هذا الشعور بالريح مع نهاية الفيلم ، حين ينتهي الصيف و يحل الخريف ، عمّلت على زيادة هذه الاصوات.

٢٠٠٩/٠٢/٢٣

عندما لم أشارك في أكل المشمش



خلال متابعتي لدراستي الجامعية بولاية آلاباما ( الغير معروفة بالانتاج السينمائي ، سوى من بعض ما أتى من هوليوود لتصوير مشاهد ما هنا وهنالك عن تلك العنصرية المقيتة التي عرُفت بها ، ومن بعض محاولات ذوي الشئن الفني في جذب الانتاج الى الولاية بعد نيلها عروض مغرية من ولايات منافسة و مجاورة كجورجيا مثلاً) ، عرّض علينا مدرس الانتاج السينمائي اذا كنا نرغب في المشاركة بفيلم طويل ينتج محلياً وبموازنة متواضعة. بادرت آنذاك للموافقة سريعاً ولاحقاً إجتمعنا بالمخرج المغمور، الذي حط رحاله من هوليوود بعد مشاركته كمساعد مخرج في أحد الافلام العديدة على ما ذكّر. في منزله التقينا بعدد كبير من الطاقم الفني و الممثلين و كنا من بين طلاب الافلام المتحمسين. بعد التعرف و المزاح و أكل الحلوى في منزل والديه (الذين لهم حصة الاسد في دفع مبالغ ما دعماً للفيلم) الذي تحول الى ورشة عمل. بعد إطلاعنا على السيناريو الذي عمل عليه المخرج بمساعدة أحد القادمين الجدد في كتابة السيناريوهات المحليين، برز التشابه الكبير (أو قُل محاولة ما) بين القصة و ذاك الفيلم للمخرج السويدي ، المقيم في الولايات المتحدة ، لاسي هالستروم (الذي ترشح و زوجته للاوسكار كأفضل اخراج عن فيلم " حياتي ككلب" (١٩٨٥) عن فيلمه الباهر " ما الذي يأكل عنب غيلبرت " (١٩٩٨) والذي أدى الادوار فيه كل من جوني ديب و ليوناردو دي كابريو و جوليت لويس ، ترشح عنه ليوناردو دي كابريو للاوسكار كأفضل ممثل مساند.

محاولة ذاك المخرج الطموح ( تخونني الذاكرة حالياً عن تذكر اسمه أو حتى اسم فيلمه مع انني حاولت البحث عنه على غوغل من دون نتيجة ) لخلق عالم غيلبرت . ذاك العالم البسيط في قرية فقيرة لاهل طيبين و طموحين ، و لعائلة تتكون من أخين و أختين ووالدتهم التي تعاني السمنة الزائدة ولأب هجرهم و لم يعد موجوداً في حياتهم. الشقاء يلازمهم في تأمين سبل العيش ، والكل يتكل على غيلبرت ( للرائع جوني ديب )، الذي يعمل في البقالة المتواضعة، في تأمين حاجياتهم اليومية ، و في رعاية آرني ( ليوناردو دي كابريو في دور كما لم تراه سابقاً) المختل عقلياً و الذي يثير المشاكل مع الشرطة كلما تسلق برج المياه، و في الاهتمام بمنزل متهالك و أرضية مثقلة من جراء الوزن الثقيل لام جميلة غير قادرة على المشي طويلاً و خجولة من نظرات الناس تجاهها (يعتبر من الاكثر الافلام جديةً في تسليط الضوء على مشكلة الوزن الزائد التي يعاني منها الامريكين ).

فيلم هذا الشاب لم يفضي الي شيىء يُذكر على مستوى السيناريو . فهو يبدأ بمشكلة قرية نائية يحاول كل فرد الاكتفاء بقوته اليومي و العيش بسلام أو حتى من بيع المشمش التي تشتهر فيها منطقتهم. و نطراً لموقع قريتهم المميز فتفتح شهية حيتان الشركات الكبرى ، كما هو الحال في " ما الذي يأكل عنب غيلبرت ؟ " حين يغزو السوبرماركت الضخم منطقتهم ( هذه حال المدن الامريكية حين يغزوها "الول مارت" الضخم ليأكل الاخضر واليابس و يترك الفتات لاصحاب المتاجر الصغيرة التي سرعان ما يغلقوا أبوابهم أمام المنافسة الغير متكافئة ) حيث المتاجر المتواضعة بما تقدمه لزبائنها و صعوبة المنافسة فيذهب غيلبرت في أحد الايام لاستكشاف السوبرماركت و يخُرج بقالب الكاتو، إيفائاً لعيد ميلاد أخيه أرني، ولدي خروجه من السوبرماركت يقع في الحرج لدي مفاجئته لرب عمله ينظر اليه. أما فيلم صاحبنا فلا يأتي على أي من تلك اللحظات المعبرة ، بل يحولها من قصة قصيرة الى صراع أشقياء على شاكلة الطيب ( التجار المحليين ) و الشرير
(ممثلي الشركات الكبرى ).

الدقائق الاولى للفيلم تبدأ عن الحياة الهانئة لأصحاب القرية و نسيجهم الاجتماعي المُطعّم بالفكاهة و يتحول مع مرور الوقت الى لعبة سخيفة وغير مقنعة من المواجهات المصطنعة و لعبة الكر والفر و في نهاية الامر لا تفضي القصة الميلودرامية الفاقعة الى شيىء سوا الى ضحالة السيناريو و إفتقاره الى مقومات النهوض بالفكرة الى مستوى فني لائق ، فتجده تحول الى شبيه بتلك الافلام التي اسطلح على تسميتها " بي موفيز" أو (الافلام الثانوية).

على ما أذكر ، أني إعتذرت يومها عن المشاركة بالفيلم لعدة أسباب منها عدم اقتناعي بجودة العمل و النص و انشغالي بالتحضير لمواد أخرى. أي أنني لم أشارك بأكل المشمش و إكتفيت بمشاهدة الفيلم لاحقاً بعرضه باحدى صالات متحف الفنون المعاصرة ، حيث التقيت مدرسي (أخذت معه عدة فصول من أجملها " السينما الامريكية : المجتمع و العنف " ) الذي اخبرني عن مدى تفاهة الفيلم و أنه سيتجاوزه الليلة بالاستماع الى بعض اسطوانات الجاز التي وصلته حديثاً.

٢٠٠٩/٠٢/٢٢

آنا و ذاكرة المكان في " روح خلية النحل" لفيكتور إريس



من منا لم تأسره لقطةٍ ما في فيلم أو شخصيةٍ ما لبطل ٍ ما ، وحشٌ ما- نوسفراتو (المقتبس عن رواية برام ستوكر " دراكولا") بقسوة ملامحه عندما نهض من قبره، أقلق مضاجعنا عندما خرج الى العلن في عام ١٩٢٢ عز أيام الفيلم الصامت ؟ أو كرهنا لسفاحٍ أو قاتل مأجور ؟ و كيف أن تلك الشخصيات ، بغموضها و قوة حضورها ، شغلتنا عن التفكير بيومياتنا المملة و التتوق لاكتشاف عالمها.

El espíritu de la colmena " روح خلية النحل " (١٩٧٣) للمخرج الاسباني فيكتور إريس (سبق أن أشرت الى مشاركته بفيلم قصير مع مجموعة من المخرجين في " عشرة دقائق لاحقاً: البوق " ) ، قد يكون من تلك الأفلام التي تنقل ذاك الشغف الذي ينتاب الفرد منذ صغره حين تجذبه قوة شخصية ظهرت على الشاشة الكبيرة ، فتأسره و تبقى محفورة في ذاكرته.


تدور أحداث " روح خلية النحل " في أجواء الاربيعينيات ما بعد انتهاء الحرب الاهلية الاسبانية الطاحنة حيث أحد القرى الاسبانية النائية لاقليم كاستيلا الشمالي، لكن هذه الحقبة التاريخية لا تُشغل بال المخرج بقدر ما يشغله حيز الفراغ الذي تعيشه شخصياته ضمن الفيلم
(علماً أن الفيلم تم تصويره أثناء قرب نهاية حكم فرانكو الفاشي ). الشخصية المحورية هي آنا ، الفتاة التي لا تتجاوز السادسة من العمر، تعيش مع والديها و أختها ، إيزابيل ، التي تكبرها سناً ، والتي تُحب أن تلاعبها بحذاقة.
في البداية يكون الفرح بين الاطفال مع قدوم سينما متنقلة الى قريتهم لعرض فيلم فرانكشتين و بحضور كلا الاختين آنا و إيزابيل . آنا يُسّحرها الفيلم و يترك بداخلها نوعاً من الغموض الذي يثير فضولها ، فتسئل أختها : " لماذا قتلها (إشارة الى الفتاة) ؟ و لماذا قتلوه بعد ذلك ؟ "، تجيبها إيزابيل بأن الوحش لم يقتُل الفتاة و أنه مازال حياً ، فالافلام عادةً كذلك . و تتابع إيسابيل، أنه ( فرانكشتين) كالروح ما أن تغمضي عيناكي حتى يأتي(الحضور الجسدي داخل الذاكرة ) و يهمس لك :" هذا أنا ، يا آنا " . هذه الكلمات تترك الاثر الكبير على محياها.
شغف آنا بالقصة يزداد عندما تُخبرها إيزابيل بوجود بيت فرانكشتين خارج القرية ، فتذهب آنا عدة مرات دون أية جدوى في العثور عليه
فتجد آثار لأقدام كبيرة الحجم...

هذه الرواية ، البسيطة في الاسلوب و السرد، لشغف طفلة بشخصية فرانكشتين الذي بدا يوماً كبير الحجم على شاشة سينما نقالة، هو محور الفيلم الذي يعتمد على القليل من الاحداث و خلفيات لمشاهد تروي تفاصيل تلك الحقبة بكل بساطة و جمالية متناهية.

شخصيات الفيلم لا تتكلم الا فيما ندر ، فهم يعيشون عزلة يفرضها المحيط ، موجدين الاسباب الكافية لاشغال أنفسهم في يومياتهم - الاب منشغل بشغف في تربية النحل و كل ما كتب عنها ، فيما تُشّغل الام نفسها بكتابة رسائل الى محبوبها البعيد، و الذي لا نعرف عنه شيئاً خلال الفيلم، أما الفتيات فيبحثن عن تلك الصورة المتخيلة لفرانكشتين و عن إمكانية تواجده على أطراف القرية . هذا الغموض الداخلى لأفراد العائلة لا يُخّبر الكثير عنهم و عن علاقتهم بمحيطهم ولعله يكون من أحد النقاط السياسية للفيلم .

الجمالية المشهدية و المتناهية في الشاعرية للمساحات البرية ، لعذوبة الطفولة و الطبيعة ، و مشاهد الليل و لحظات الصمت ، جميعها تتوالى على إيقاع الموسيقى الهادئة التي تسبر من أغوار المحيط و ترتد عليه من جديد ، كالاحساس بالوحدة الذي ينتاب الفرد في أحلك الاوقات و لا يملك أن يُعبر عنه. الصمت الذي يغلف الحياة الهادئة يتناسق مع الصوت القادم من خارج الاطار - سواءاً في صوت القطار ، نبيح الكلاب أو غيرها من الاصوات الخارجية - لعالم خارجي يلفه المجهول . أما علاقة الصوت و الصورة المتماهية متأثرة كما يبدو بالسينما الصامتة
كتلك الالمانية التعبيرية لمورنو في رائعته " نوسفوراتو" أو" كابين الدكتور كالغيري" ل روبرت واين ( أو حتى الناطقة منها كما في فيلم " فرانكشتين " (١٩٣١) ل جيمس وال).

والذي شاهد أعمال المخرج الامريكي تيرنس مالك و خصوصاً " أرض السيئين " و " أيام السماء" ،الرائعين ، يمكنه تحديد أوجه الشبه في أعمال فيكتور إريس . فكلاهما أنجزا القليل من الاعمال بين فترات زمنية طويلة بعد إنقطاع طويل . أعمالهما تعبير حسي و مفعم بالشاعرية المشهدية ، القوة الجمالية ، و تلك الشخصيات الهائمة ، من دون استقرار داخلى، تجول في أسقاع الارض ، أعمال تغرُف من الفلسفة المتجذرة في ثنايا الاحداث المثقلة بعبق الصورة ومعانيها. السينماتوغرافي مبهرة للبصر . يستفيد منها المخرج فيتعمق بأخذ الشخصيات بجدية ليبدو كأنهم من خلال النوافذ و الابواب معزولين ضمن الاطار داخل الاطار كتعبر عن العزلة و الحاجة الماسة للتعبير عن ما يدور في خلجهم. إيجاز الحدث ضمن الاطار المشهدي صنيعه الكادر الثابت و عندما تتحرك الكاميرة قليلاً فهي لمقلاة الممثلين في حركتهم. ففي قرائتي لاحد المقالات علمّتُ أن مدير التصوير ، لويس كوادرادو ، قد فقد بصره خلال تصوير الفيلم و أنه إستعان بمساعدين لينقل اليهم تعليماته. هذا ان دل على شيء فإنه يدل على الارادة الجامحة لخلق مشهدية متناهية في الجمال رغم كل الصعاب، وهذا ما ظهر فعلياً في الفيلم ، الذي يُصنف كواحد من الاعمال الاكثر جاذبية مشهدياً في تاريخ السينما.

من الاعمال المنجزة ل فيكتور إريس :

El espíritu de la colmena (روح خلية النحل) ١٩٧٣

El Sur ( الجنوب ) ١٩٨٣

El Sol Del Membrillo ( شمس شجرة السفرجل ) ١٩٩٢

ُTen Minutes Older: The Trumpet (٢٠٠٢)

La Morte Rouge ( الموت الاحمر) ٢٠٠٦


** للاطلاع عن كثب على نسخة ال DVD للفيلم ، يمكنكم زيارة هذا الموقع المتخصص في تلك النوعية من الافلام.









٢٠٠٩/٠٢/٢١

الفيلم المفقود


الفيلم المفقود هو عبارة عن فيلم طويل أو قصير فُقّد أثره ولم يعد موجوداً في الارشيف أو ضمن المقتنيات الشخصية. هذا المصطلح يمكن تعميمه أيضاً بشكل عملي في حالة المقاطع المحذوفة ، من دون مونتاج يُذكر، ولم تُحسب كنتاج عملي فاعل.
في بعض الاحيان يتم إعادة إكتشاف الفيلم المفقود في إشارة اليه كفيلم " لازاروس" ، فيما يُسمى الفيلم الذي يعثر على أجزاء منه "بالفيلم النصف مفقود".

الاسباب

معظم تلك الافلام التي فُقِدت تعود الى مرحلة الافلام الصامتة و بداية تلك الناطقة ،أي ما بين ١٨٩٤ و ١٩٣٠. و يذُكر المخرج مارتن سكورسيزي (المهتم كثيراً في الارشيف السابق ، ولعل الفضل يعود اليه في إعادة انقاذ أحد أهم التحف الفنية " أنا كوبا " لميخائيل كالاتوزوف الذي قوبل بالا مبالاة من روسيا و كوبا أنذاك و دخل في أدراج النسيان أو "التلف الجزئي" الى آن تم إكتشافه) ، و كواحد من أعضاء مؤسسة ترميم الافلام صرح أن ٨٠ بالمائة من أفلام تلك الحقبة قد فُقِدت.

العديد من الافلام التي فُقدت كانت من مادة النيترت الخام الغير مضمونة و القابلة للاشتعال بسهولة. فلم تسلم العديد منها من ألسنة اللهب التي أتت على الارشيف. فعلى سبيل المثال، تعرضت أحد استديوهات فوكس لحريق هائل ألحق التلف بأفلام ما قبل العام١٩٣٥. هذا و من المعلوم، أن الفيلم الخام سريعاً ما يتعرض للتلف ان لم يحفظ ضمن غرف متخصصة يتم التحكم في درجات حرارة معينة و رطوبة معقولة .

لكن يبقى العامل الرئيسي ، والمرجح أحياناً بقوة ، لفقدان الفيلم هو التعمد الى اتلافه ، من حيث أن حظوظ النجاح التجاري للفيلم الصامت قليلة نسبياً أو لا تذكر بعد إنتهاء تلك الحقبة في الثلاثينات.

لم تتوقف الحال عند الافلام الصامتة، بل تعرضت العديد من الافلام الناطقة في بداية الامر للتلف نظراً لاستعمال شريط منفصل للصوت مسجل على إسطوانة الفونوغراف التي تعرضت للفقدان و سوء الاهمال، فيغدو الشريط المصور عديم الجدوى من دون الصوت و بالتالى عرضة للتلف ، لكن ما لبث أن تم تصحيح هذا الوضع في عملية تحويل الصوت الى الصورة مباشرة .

أما قبل ظهور أجهزة الفيديو و التلفاز ، نالت الكثير من الافلام نصيبها من الاهمال بعد انتهاء مدة العرض. هذا و عمِدت بعض الاستوديوهات الى تلفها لتقليص عملية الارشفة. العديد من افلام النيغاتيف، ذات اللونين، من العشرينات و الثلاثينات المحفوظة بتقنية التكني كولور استغني عنها لافساح المجال لافلام التكني كولور المتعددة الالوان في جعبتهم. فالعديد منها تم اعادة تدويرها لاحتوائها مادة النيغاتيف الفضي، في حين تم بيع بعضها، مكتملة أو مجتزئة المشاهد، لهواة جمع لقطات الافلام لعرضها بين أصدقائهم كمقنيات ثمينة على آلة العرض المنزلي.

فلكي يتم حفظ الافلام ، الذي يدخل النيترات في تركيبتها، يتم نسخها لفيلم أكثر ضمانة أو تحويلها عن طريق "عملية الديجيتال" ،في حين تبقى العملية الأولى مفضلة على الثانية بين المختصين في الارشفة نظراً لديمومتها و لحفظها خصائص الفيلم (هنالك بعض المعاهد المتخصصة في بريطانيا، فرنسا، و الولايات المتحدة تدرس مادة ترميم و حفظ الافلام).

من الحالات التي تثير الانتباه في هذا المجال هي ما أصاب اربعين فيلماً للمثلة ثيدا بارا ، أحد أيقونات الجنس أيام الافلام الصامتة والملقبة ب "مصاصة الدماء" نظراً لتأديتها دور المرأة الخطيرة في فيلم " مصاص الدماء" : لم يتبقى لها سوى ثلاثة أفلام و نصف من أصل أربعين فيلماً . ذات الشيء حدث للمخرج الالماني فريدريك مورنو ، صاحب " نوسفوراتو" و " الضحكة الاخيرة " ، حين فقد بعضاً من أفلامه الا من بعض ما تم الحفاظ عليه. إستثنائياً ، حافظ تشارلي شابلن على جميع أعماله التي شكلت مسيرته الفنية ، و حتى الاجزاء التي لم تستعمل اطلاقاً والتي تعود الى سنة ١٩١٦ ، الا من فيلم " إمرأة البحر " (الذي عمد الى اتلافه تفادياً للضرائب) و أولى أفلام الكي ستون " صديقها قاطع الطرق".

الافلام المفقودة لاحقاً

مع ظهور النسخ الخام من حجم ال ٣٥ مم في عام ١٩٤٩ ، لاقت ترحيباً في الوسط الفني نظراً لكونها أكثر ثباتاً و ديمومة من سابقتها نيترانية التكوين. و أقل عدداً من الافلام فقُد ما بعد ١٩٥٠، أحياناً ، نتيجة تحلل بعض مكونات اللون و الحمض المركِب لخام الفيلم فكان من الصعب الحفاظ عليه من التلف.

العديد من الافلام الشائعة الصيت من فترة الخمسينات و جراً مازالت متوفرة ، لكن بعض الافلام الاباحية و الافلام الرخيصة ( السطحية و المليئة بالاكاشن للابهار وليس الا) لم تنجو من الاهمال. من بين افلام المخرجين ، المعبود من قبل الجمهور ( ترجمتها حرفياً " الافلام المعبودة " ) و التي لاقت نصيبها من الفقدان :

  • هيرشل غوردن لويس عن فيلميه لسنة ١٩٦٩: " نشوة النساء" و " ليندا و أبيلين " .
  • أدوارد وود (وهذا من أكثر المخرجين غرابةً و هوساً بالخيال العلمي و ذيوله . هنالك فيلم عن حياته أداه بإتقان الممثل القدير جوني ديب تحت نفس التسمية للمخرج تيم بورتن) وفيلمه " اللا متخرج " فُقِد أثره تباعاً لفيلمه " خذها بالتجارة" (١٩٧٠)، الذي نجى جزئياً من دون صوت. الأكثر غرابةً هو فيلمه الاباحي " نكرومانيا" (أو حسب الترجمة " الهوس في استحضار الموتى") الذي يعود انتاجه لسنة ١٩٧١ ، اختفى لعدة سنوات الى أن ظهرت نسخة ممنتجة منه لدي أحد هواة جمع الافلام الغريبة سنة ١٩٩٢ و ظهور نسخة أخرى مكتملة في ٢٠٠١. أما الاكتشاف الاخر فجاء سنة ٢٠٠٤ للفيلم الاباحي " المتزوجون الصغار".
  • توم غرايف و أول فيلم طويل له " التجربة النبيلة " (١٩٥٥)، حيث يقوم فيه كمخرج وممثل بدور عاِلم فذ غير مفهوم في محيطه ، أعتبر عمله مفقوداً الى أن عُثر عليه من قبل مخرج وثائقي ، يدعى إيلي شنيدر، خلال عمله في انتاج وثائقي عن المخرج غرايف تحت عنوان " فتى من خارج هذا العالم " .
  • معظم أفلام أندي ميليغن تعد من المفقودات الفنية.
  • العديد من الاعمال القصيرة - أفلام تربوية، تدريبية، و ذات مغزى ديني - ما بين ١٩٤٠ وصولاً الى ١٩٧٠ تُعد مفقودة ، لاعتبارها غير قيمة أو قابلة للترميم.

أفلام تقريباً مفقودة

العديد من افلام الحقبة الصامتة ، ذات الاهمية في التمثيل و الاخراج و المواهب الافتة للانتباه ، مازال يُحّتفظ بها كنسخ و حيدة و من دون أية نسخ أخرى في المتاحف و الارشيف، و ضمن المقتنيات الخاصة .

أفلام غير متوفرة تجارياً


لا تقتصر تسمية " الفيلم المفقود" على ما فُقد تماماً، بل يمكن اعتبار الافلام المنجزة والتي لم تتوفر للمجهور سواءاً على ال VHS أو DVD أو العرض التلفازي و غيره ... وتلك الافلام :

  • "لتي لينتون " (أو لينتون الصغيرة ) انتاج شركة ام جي أم لعام ١٩٣٢ ومن تمثيل جون كروفرد ، روبرت مونتغمري ، و نيلز أستر. توقف عرضه عندما نظرت فيه المحكمة الفدرالية في يناير من عام ١٩٣٦ ووجدت أن السيناريو الوارد من قبل الشركة المذكورة مقتبس بشكل واضح من مسرحية " سيدة ذات سمعة سيئة " لعام ١٩٣٠ ، لكل من إدوارد شيلدون و مارغريت بارنز ، و لم توجه اليهم حقوق العرض أو حتى الذّكر ( أفيش الفيلم يذكٌر أنه مقتبس عن رواية من نفس الاسم لمؤلفتها ماري بيلوك لوندس ).
  • " أغنية الجنوب" لشركة ديزني ، الذي أعيد عرضه عام ١٩٨٦، مُنع من العرض في شمال أميركا لاسباب متعلقة في عنصريته تجاه حقبة اعادة الاعمار ما بعد الحرب الاهلية الامريكية. الا أنه متوفر في أوروبا و أسيا.
  • الفيلم الموسيقي " هل باستطاعة هيرينموس ميركن نسيان ميرسي هامبي و ايجاد السعادة الحقيقية ؟ " (١٩٦٨) للمخرج أنتوني نيولي صُنِف ضمن مرتبة "الاكس" ولم يُعرض.
  • الفيلم الوثائقي لفرقة الرولينغ ستونز "بلوز مصاص العضو" صنُف كمسيء للذوق العام و منعُ عرضه الا بحضور مخرجه روبرت فرانك.
  • " انشون" (١٩٨٢) لم يحظي بأي عرض تجاري في الاسواق بعد فشله الذريع في أولى عروضه.
  • "يوم على الشاطيء" ، المصنوع سنة ١٩٧٠ في احدى المنتجعات البريطانية المهملة، والذي تعود كتابته الى المخرج الشهير رومن بولونسكي و أداء كل من مارك برنز و بيتي ايدني وبحظور طفيف للممثل بيتر سيلرز ، أخذ جولة في المهرجانات السينمائية وحط رحاله هادئاً بعيداً عن العروض.
  • "أخيراً حب طويل" كان كالقشة التي قصمت ظهر البعير للمخرج بيتر بوغدانوقيتش والذي صنع كتحية موسيقية لكول بورتر سنة ١٩٧٥ من تمثيل برت رينولدز و سيبل شيبرد .
  • " اليَوم الذي بكى فيه المهرج " (١٩٧٢) فيه يؤدي جيري لويس دور مهرج يرفه عن أطفال في أحد المعتقلات. فبعيد الانتهاء من تصويره ، وقع في مشاكل قانونية مع مؤلف الرواية و لم يتم توليفه.
  • الميزانية المنخفضة لفيلم " الاربعة الرائعين " ، انتاج ١٩٩٤ ، لم يشفع لمخرجه أولي ساسون و منتجه في كسب ود الجمهور و اختفى من الرادار.
  • ذات الشيىء حدث مع " الفتاة التي علِمّت الكثير " لسنة ١٩٦٩.
  • " الخوف و الرغبة " أول عمل للمخرج الشهير ستانلي كوبريك. لم ينل رضاه ، فقام بإستعادة جميع النسخ لمنع عرضه في المستقبل.
  • فيلم الفرقة البريطانية البيتلز " دعه يكون " لم يٌطرح بالاسواق لمدة عقدين من الزمن، الى أن صدر من جديد من قبل شركة توزيع لاشرطة الفيديو.
  • " السماء الحمراء في الصباح" (١٩٧١) لم يوزع على أشرطة الفيديو أو ال DVD.
  • " فيلم غونغ الاستعراضي " الذي انتج سنة ١٩٨٠ لم يتوفر تجارياً ، الا ما ظهر منه لماماً ضمن فيلم " اعترافات عقل خطير " .
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------


هذا ما كتبه د. أسعد أبو خليل عن فيلم " فالس مع بشير" (Waltz with Bashir) في جريدة الاخبار

-----------------------------------------------------------------------------------------


أثار فيلم «فالس مع بشير» للمخرج الإسرائيلي آري فولمان جدلاً كبيراً في الصحافة اللبنانيّة والعالميّة. وقد مُنِع عرضه رسمياً في لبنان بسبب سياسة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، رغم وصف وزير الإعلام اللبناني طارق متري منع الفيلم بالأمر «العبثي». هنا مقالة حول الفيلم:

أسعد أبو خليل*
فيلم «فالس مع بشير» معروض في بعض المدن هنا في أميركا. لم أرد أن أراه في شاشة عرض، كي لا أسمع تأوّهات جمهور ليبرالي مُوافِق في مدينة «بيركلي» مثلاً. والأهم، لم أرد أن أدفع قرشاً لشركة إسرائيليّة. أذكر عندما ذهبت لمشاهدة فيلم «ميونيخ» لستيفن سبيلبرغ مع صديقة يساريّة (ومُخرجة أفلام وثائقيّة)، لم أعد أراها إلا لماماً. انتهى الفيلم وأنا أريد أن أذهب بعيداً عنها جداً، نحو الأناضول. حاوَلَت جاهدة أن تقنعني بأن السيد سبيلبرغ كان مُنصفاً وأن الفيلم لم يكن مُجحفاً بحق العرب مثل غيره من أفلام هوليوود. هل تريدينني أن أُسرّ إذا صُوِّرنا كنصف بشر مقارنة بتصويرنا كحيوانات؟ هل قرأتِ مذكرات أبو داوود قبل أن تناقشيني؟ هل يعلم سبيلبرغ أن عمليّة ميونيخ لم تأتِ من القيادة بل من القاعدة التي كانت تغلي بسبب الاعتداءات الإسرائيليّة المستمرّة على مخيّمات اللاجئين في لبنان آنذاك؟ كانت كلماتي تتسارع ونبرة صوتي تتوتّر، وكانت هي تظن أنها تهدِّئ أعصابي. من قال لها إنني أريد أن أهدأ؟ أذكر لبنان في تلك الفترة عندما وقعت عمليّة ميونيخ. وكان الجيش اللبناني في كنف... الجيش اللبناني، وبدأ بعض منه يتصل بالعدو الإسرائيلي في ذلك الوقت كما تذكر المراجع العبريّة. أي إن بعض الجيش كان في كنف العدو. غضبتُ من الصديقة وباعد الفيلم بيننا. لم أردْ أن أعيد الكرّة هذه المرّة مع أحد. أردت أن أغضب وأن أشتم بمفردي. صديق جاءني مشكوراً بنسخة عن الفيلم من الصين (اطلبوا الأفلام الجديدة في الصين ـــــ تحيا القرصنة)، بعضنا لا يزال يقاطع الكيان الغاصب. والفيلم يُعرض برعاية السفارات الإسرائيليّة حول العالم، كما ذكرت صحيفة «الغارديان»، كما أنه تلقّى دعماً ماليّاً من مؤسّسات الدولة العدوّة التي يسخر طارق متري من مقاطعتها.
ولكن قلت في نفسي إن مشاهدة الفيلم في صالة أميركيّة أقلّ إيلاماً من مشاهدته في بيروت مع رهط من مثقفي (ومثقفات) 14 آذار. تصوّرت هؤلاء وهم يجهدون لرؤية جوانب إنسانيّة في كل ما يصدر من العدو: هؤلاء ـــــ ليبراليّو الوهابيّة، تعرفونهم ـــــ يحاولون أن يقنعوا الرأي العام العربي بأن كل ما يصدر عن العدو الإسرائيلي من قنابل وصواريخ وأشعار وأغانٍ وتصريحات وشتائم وعنصريّة وكراهية يتضمّن مقداراً من الليبراليّة ومن الإنسانيّة ومن الحضاريّة المرهفة. يحاولون بشتّى الوسائل أن يتنسّموا عند العدو بوادر أو خيالات اعتدال. هؤلاء الذين (واللواتي) ينظّرون ترحيباً بفاشيّة العدو، ويقولون لك إن هناك بديلاً أكثر تطرّفاً مما رأيت، أو إن تطرّفهم نابع من تطرّفنا، كما أفتى حازم صاغيّة (المُرشد «الفكري» لسعد ونادر الحريري) وردّدتها بعده جيزيل خوري (التي قاطعت أبو العلاء في مقابلة غاضبة، وأعلمته أنه ليس صحيحاً أن أميركا تناصر إسرائيل دائماً. «أعلمته» أن كلينتون ضغط على نتانياهو، لا بل ساهم في إسقاطه). هؤلاء ينتظرون كلمة من «آموس عوز» كي يقنعوا الرأي العام العربي بضرورة الصلح مع إسرائيل. وعندما يصمت «عوز» أو عندما ينطق مؤيّداً للقتل وللمجازر، يُذكّرونك بتلك التظاهرة اليتيمة بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، متناسين أن التظاهرة كانت لأسباب إسرائيليّة انتخابيّة بحتة، ولا علاقة لضحايانا بها. هؤلاء ينتظرون ظهور معارض واحد خجول في إسرائيل ليصرخوا: انظروا إلى ديموقراطيّة إسرائيل. «واو».
ولكن لحسن حظّي لم أشاهد الفيلم مع هؤلاء، ولم أحضره بوجود مراسل «هآرتس» في بيروت كما روت الصحيفة. والفيلم، في منطلقاته الفكريّة، يذكّر بتلك اللوحة لرينوار بعنوان «الجامع»، وأنا أسميها لوحة «الكتلة»، وهي غير «الكتلة الوسطيّة» التي يباركها البطريرك، وإن كان يحذِّر من تدخّل الدين في السياسة. تظهر في لوحة رينوار أجسام مُبهمة غير واضحة في إشارة إلى الجمع المُسلم. وهي تُجسِّد الخيال الاستشراقي، حيث تنتفي فرديّة الشخص العربي أو المسلم. هم ـــــ الفصل الإيبستومولوجي بين «نحن» و«هم» جزء أساسي في فكر الاستشراق كما بيّن إدوار سعيد في كتاب «الاستشراق» ـــــ دائماً كتل بشريّة متراصّة لا حدود بينهم. هم يسمّونه «الشارع العربي». وهذا التصوير الجموعي يهدف إلى تسهيل ضرب الكتل العربيّة والمسلمة وتعذيبها وقصفها وقتلها واستعمارها. لا فرادة لنا في لوحة رينوار، ولا في فيلم «فالس مع بشير». يمرّ العرب في الفيلم (ضحايا أم قتلة أم «إرهابيّون») عَرَضاً وكتلاً ومن دون فرادة أو شخصانيّة. يمرّون على الشاشة دون أن ينطقوا أو أن يظهروا أفراداً. يعبُرون في ظهور خاطف كي لا يتحسّسهم المشاهد، وكي لا تقوم علاقة بين المشاهد وبينهم. تقارن ذلك بمشاهد الجنود الإسرائيليّين الذين لا يظهرون إلا فرادى.
يحرص الفيلم، كما يجري دائماً في إعلام الصهيونيّة الليبراليّة، على التعرّف، عن كثب، إلى كل جندي يظهر في الفيلم. لا بل ترى الجندي طفلاً يساعد أمه في المطبخ، وتراه مع الحبيبة، وتراه يعاني دوار البحر ويتقيّأ، وما على المشاهد (والمشاهدة) إلا التأوّه والتحسّس مع القاتل الإسرائيلي الذي يعاني. وهناك مدرسة بحالها في اليسار الصهيوني تعبّر عن امتعاض ـــــ لا أكثر ـــــ من بعض ممارسات الحروب الإسرائيليّة وعن بعض جوانب الاحتلال من باب أنها مضرّة بـ«الروح الإسرائيلي» أو بـ«نفسيّة الجندي». أي إن معارضة المجازر عند هؤلاء ـــــ مثلاً الآلاف الذين تظاهروا بعد مجازر صبرا وشاتيلا ـــــ ليس من منطلق التعاطف مع الضحايا والشعور بمصابهم، بل من باب تعزيز الروح القتالي والقومي (وحتى الديني عند البعض) للجيش المُستعمِر. وأنسنَة القاتل والعطف عليه هما الوجه الآخر لإفراغ الآخر الفلسطيني من إنسانيّته: فهو لم يكن يوماً إنساناً كاملاً، في نظرهم. تقرأ الأدبيّات الصهيونيّة منذ البداية لتجد أنه إما لم يكن موجوداً إطلاقاً أو كان ـــــ في تصويرهم ـــــ فلاحاً متخلّفاً أو بدوياً دونيّاً أو لاجئاً دون صفة وطنيّة ثم تحوّل إلى «مُخرّب» (وهي التسمية ذاتها التي درجت عليها إذاعة «صوت لبنان» الكتائبيّة أثناء الحرب) في الستينيات، إلى أن رست الدعاية الصهيونيّة على صفة «الإرهابي». ولا يشذّ الفيلم عن القاعدة، حتى في ما يتعلّق بذلك الصبيّ البرّاق وهو يطلق قاذفة «أر.بي.جي» في وجه المحتلّ.
لكن المعيار ال(لا)أخلاقي للفيلم يظهر جلّياً منذ البداية إذ إن المُتحدّث كان يعاني كوابيس بسبب قتله كلاباً في جنوب لبنان. وفي مشهد آخر يتأوّه جندي إسرائيلي لمشهد إصابة الأحصنة في سباق الخيل في بيروت. فالحيوان أثمن عندهم من العربي، بناءً على تراتبيّة عنصريّة لا تختلف في توجّهاتها وفي منطلقاتها عن التراتبيّة النازيّة. وهناك منظمة أميركيّة ليبراليّة لم تكترث يوماً لحياة شعب فلسطين، قامت بحملة للاعتناء بالحيوانات في غزة. العربي والمسلم بمعيار ليبراليّة الرجل الأبيض هو أقل مرتبةً من الحيوان. وقد يتعاطف المشاهد الغربي مع الجندي الإسرائيلي لأنه بدا أشدّ تأثّراً بقتل الحيوان على يد الإنسان العربي في اجتياح 1982.

وهناك ما هو أهمّ. لماذا التركيز الصهيوني على مجزرة صبرا وشاتيلا دون غيرها من مجازر ارتكبها العدوان الإسرائيلي في عام 1982، عندما قتل ما يقارب 20,000 فلسطيني ولبناني معظهم من المدنيّين والمدنيّات؟ السبب واضح، وهو لا يرتبط بفظاعة جريمة القوات اللبنانيّة التي ارتكبت من المجازر ما يملأ أي تأريخ للحرب الأهلية اللبنانيّة. تريد إسرائيل في دعايتها من التركيز على صبرا وشاتيلا دون غيرها التنصّل من المسؤوليّة، لا تحمّلها.
بشير الجميل( بشير جميل )

وهذا ما عناه «فولمان» في الدعاية المُصاحبة للفيلم عندما قال «إن لا علاقة للجندي الإسرائيلي بتلك المجزرة». فإسرائيل اختارت مجزرة ارتُكبت على يد حلفائها حتى تبقى على مسافة من المسؤوليّة. تريد إسرائيل (والفيلم) أن تقول إنها لا تقوم بتلك الأفعال الشنيعة مع أنها قتلت في ذلك الاجتياح أضعاف عدد الضحايا في تلك المجزرة البشعة. وجاء في فيلم الترداد الببغائي السهل لكليشيهات الكراهية العنصريّة أن العرب يقتلون دفاعاً عن «الشرف» و«العرض»، وكأن الانتقام ليس من صفة الصهيونيّة. ولم يفهم بشير الجميّل وزوجته التي أعدّت الأطعمة اللبنانيّة لأرييل شارون أنهما رغم ادعائهما «الفينيقيّة» فإن الصهاينة ينظرون إليهما كعربيّين، شاءا أم أبيا، مهما تصنّعا ومهما حاول أمين الجميّل أن يبدو متمدّناً أمامهم.

والفيلم يمرّ على اجتياح إسرائيل للبنان عرضاً، ويتناسى قصداً عدداً من الحقائق العنيدة. لم يرد الفيلم أن يذكر، مثلاً، أن

المخرج الإسرائيلي آري فولمان (أرشيف ــ رويترز)المخرج الإسرائيلي آري فولمان (أرشيف ــ رويترز)

إسرائيل لم تجرؤ على غزو بيروت إلا بعدما رُحِّل عنها خيرة مقاتلي المقاومة الفلسطينيّة الأشدّاء، وبعد وضع العدو الآلاف من الشبان والأولاد والنساء في معسكرات اعتقال. لكن الفيلم أظهر المَخفي: أن جنود الاحتلال يخافوننا. أخافهم صبية في عين الحلوة وفي مخيّم الرشيديّة. ويمكن القول إن الخدعة الدعائيّة انطلت علينا من عام 1948 إلى عام 2006. لا ينكر إلا الجاحد (أو الدعائي الوهابي أو الدعائي الصهيوني، وهما حليفان هذه الأيام) أن حرب 2006 قضت للأبد على أكبر عنصر استراتيجي في حوزة العدو: القدرة على التخويف وعلى زرع وهم انعدام الخوف في طرفه. ولو لم يُقضَ على هذا العنصر في حرب لبنان، لما تطوّر عدوان تموز على النحو الذي جرى به، دون حسم لمصلحة العدوّ. كما أن الدافع الأيديولوجي عند الجندي الإسرائيلي يقلّ: الخدمة في الجيش أصبحت وظيفة للارتزاق. وعندنا، حدث العكس: القتال لم يعد على يد من يمتهن القتال لكسب الرزق، بل على أيدي متطوّعين شديدي البأس ومتشبّثين بالعقيدة (الدينيّة هذه الأيام).
وعندما ترى الفيلم تتذكّر تلك الحقبة الأليمة. تشاهده بغضب. وجدتني أتفرّس في رسوم الوجوه لجنود العدو، وأتساءل: هل رأيتُ واحداً من هؤلاء عندما لجأت إلى بلدة القليلة قرب صور صيف 1982؟ هل أوقفني واحد من هؤلاء على حواجزهم؟ هل شارك واحد من هؤلاء في تجميعنا ذات صباح في ساحة القليلة من أجل فرز «الإرهابيّين» بيننا بناءً على إشارات وشاة مقنّعين؟ ووجدت نفسي أتابع الفيلم بغضب وغيظ، محاولاً إعادة كتابة تلك الحقبة. لماذا لم تتعامل الحركة الوطنيّة مبكراً مع ظاهرة حزب الكتائب التي ترعرعت منذ الخمسينيات (وفق المراجع العبريّة) في كنف دولة إسرائيل؟ لماذا لم يتعامل اليسار الفلسطيني والجناح غير العرفاتي في حركة فتح مع ياسر عرفات الذي عمل المستحيل للقضاء على إمكانات الثورة اللبنانيّة والفلسطينيّة؟ كان من الممكن أن تنشأ مقاومة فاعلة في جنوب لبنان عام 1978 بعد الاجتياح الأول. يومها بادر العراقي هاشم علي محسن إلى إطلاق (وتسمية) جبهة المقاومة الشعبيّة لتحرير لبنان من الاحتلال والفاشية، واتصل بمحسن إبراهيم وجورج حاوي لكن عرفات (راعي الاثنيْن) رفض. كان يفضّل استعمال ساحة لبنان للمفاوضة على تأليف فصائل مقاومة. لهذا، لم تكن تعيينات عرفات العسكريّة، من شاكلة الحاج إسماعيل وأبو الزعيم، عفويّة. زَرَع الفاسدين لإفشال المقاومة.
من المؤلم مشاهدة الفيلم لمن يستطيع تبيّن المعالم والشوارع والبساتين. ماذا يفعلون على أرضنا؟ يريد الفيلم أن تتعاطف مع جنود الاحتلال وأن تتناسى أن محتلّي فلسطين يمشون ويتجوّلون خائفين مذعورين على أرض محتلّة أخرى. هو الاحتلال المُكرَّر. يريد منّا الفيلم أن نقبل احتلالهم، وأن نتألّم فقط لمشاهد قتل الفلسطينيّين على يد عصابات القوات اللبنانيّة التي نشأت وترعرعت ونمت بقرار من إسرائيل. لكن هذا الإصرار الإسرائيلي على الفصل بين جيش الاحتلال وقوات رجل إسرائيل في لبنان يمثّل تنصّلاً من مسؤوليّة الاحتلال المباشرة.
تشاهد الفيلم وتتذكر تلك الحقبة وتجول بناظريك بين أهل السياسة في لبنان. تتذكر متعاوني الاحتلال آنذاك. كان بشير الجميّل يهدِّد بقوات إسرائيل وإن لم يُكتب له أن يقطف ثمار عدوان راعيه. وسمير جعجع، قائد تلك العصابات التي قَتَلَت في صبرا وشاتيلا، يُنظِّر اليوم في موضوع استراتيجيا دفاعيّة للبنان. أما صولانج التي قالت لشارون وزوجته إنها تريدهما أول ضيوفها في القصر الجمهوري في بعبدا، فقد أتت إلى برلمان لبنان بتحالف رباعي بغيض. وواحد من قادة عصابات الجزارين في صبرا وشاتيلا (الذي مثله مثل جعجع تلقّى تدريبات وإرشادات في إسرائيل)، إيلي حبيقة، حوّله رفيق الحريري والنظام السوري وحلفاؤهم إلى زعيم وطني. وهناك جوني عبده، اللصيق منذ سنوات مبكرة برفيق الحريري كما روى هيكل وعبد الله بو حبيب. يبتسم جوني عبده، الذي كان يستضيف أرييل شارون في منزله، عندما يُسأل إذا كانت استخبارات الجيش في عهده تُرسل سيّارات مُفخّخة إلى بيروت الغربيّة، ويقول إنه لا يؤكّد ولا ينفي. أراد الحريري أن ينصّبه رئيساً، قبل أن يستقرّ الأمر على رئيس كان يتلقّى ـــــ كما روى حسن صبرا أخيراً ـــــ مبلغاً شهرياً بقيمة 350 ألف دولار (كان باني الدولة الحديثة يبدأ البناء برشوة رئيس الجمهوريّة اللبنانية).
حقبة اجتياح إسرائيل لم تُمحَ من الذاكرة لمن عاشها. تتذكر تفاصيلها ومقدّماتها. كيف كان هتلر لبنان الصغير، بشير الجميّل، يستعين بإسرائيل لتهديد أعدائه من اللبنانيّين. عندما علم بشير الجميل بأمر عدوان إسرائيل ـــــ قبل أن يسمع أحد بـ«شلومو أرغوف» ـــــ استدعى الإعلامي عرفات حجازي ليتحدّث بتهديد عن «القرار». وبعد توقف التصوير، أصرّ الجميّل على تحميل حجازي ـــــ كما روى لي الأخير ـــــ شتائم سوقيّة بذيئة لشفيق الوزان، مع أنه كان أداة طيّعة بيد الياس سركيس وأمين الجميّل من بعده. صحيح أن عدداً من الميليشيات ارتكب مجازر، لكن جرائم القوات اللبنانيّة أكبر من غيرها: 1) لأنهم بدأوا بالتطهير العرقي والطائفي. 2) بدأوا بالقتل على الهويّة. 3) أقاموا علاقات مع إسرائيل منذ الخمسينيات. 4) حضّروا للحرب، وأجّجوا لها، وأصرّوا على استمرارها. 5) حاولوا استيراد نموذج فاشي ـــــ نازي في ربوع الأرز والبلّوط. لكن، كل المشاريع الطموحة تكسّرت على صخور طائفيّتهم هم. وسواعد الصبية في مخيم عين الحلوة بدأت مسيرة لم تنتهِ. أذنت لاندثار نموذج الانفلاش العسكري الأهوج الذي أشرف عليه عرفات، وبدأت أفعال مقاومة ضد إسرائيل منذ إنشائها.
لم يرد الفيلم أن يتحدّث في التاريخ. لم يرد أن يتحدّث في المعاناة. حتى عندما تتطرّق الليبراليّة الصهيونية إلى المعاناة، هم يعنون معاناة القتلة. كوابيس جنود الاحتلال كانت أهم من معاناة ضحايا صبرا وشاتيلا. تحدّث الجنود عن معاناتهم فقط، لم يُسمح للضحايا العرب بالتحدّث عن معاناتهم هم (وهن). كوابيس جنود الاحتلال كانت أفظع من قتل الأطفال في قصف إسرائيل الوحشي قبل صبرا وشاتيلا وبعدها.
سيحصد الفيلم عدداً من الجوائز. وسيحاور المخرج عدداً من الليبراليّين العرب، وقد يوقّع مع ياسر عبد ربّه وثيقة من أجل نسيان الماضي والولوج في سلام من أجل إسرائيل. ونخبة الثرثرة في الإعلام السعودي ستبجّل الفيلم وستعتبره ذروة في الرهافة الإنسانيّة. كُتب عن الفيلم في لبنان وكأن أحداثه جرت في بلد آخر غير لبنان. لم يعاجلهم أحد بالقول إن الميليشيا التي ارتكبت المجزرة في صبرا وشاتيلا تتشارك في حكومة مع فريق المقاومة في لبنان. وللأسف إن هناك من يريد أن يقتنع بأن العدو رحيم ورؤوف، والمطالبة بالعودة إلى اتفاق الهدنة هو تسليم بـ(لا)منطق، لكون إسرائيل حملاً وديعاً في ربوعنا. وهناك من سيتعجّل الحكم على الفيلم. تسرّع من رأى في المخرج فولمان «مناضلاً» يدين حروب إسرائيل. هو لم يفعل شيئاً من ذلك، على العكس، صوّر ضابطاً إسرائيلياً يتدخّل لوقف المجازر، وكأن اجتياح لبنان في ذلك العام تضمّن مجزرة واحدة فقط. وبشير حبيب يكتب في نشرة حريريّة أن الفيلم «عمل كبير وجريء». ساطع نور الدين كان من الأقلام العربيّة القليلة التي عبّرت عن شكوك في دعاية الفيلم عن نفسه وعن جرأة المخرج المزعومة.
لكن لبنان طوى صفحة في تلك الحقبة. وباشر أعداء إسرائيل في لبنان ضرب مخطّط لإنشاء كيان متحالف مع الدولة اليهوديّة. منا من يرى الفيلم ويعود بالذاكرة إلى شعار طواه الزمن بعد مجزرة عين الرمّانة: شعار عزل الكتائب كان صائباً منذ إطلاقه، وكمال جنبلاط قُتل لأنه كان مقتنعاً ـــــ بعد لأي ـــــ بجدوى الحسم العسكري مع إسرائيل. لكن ياسر عرفات والنظام السوري لم يريدا الحسم العسكري: وعدم اللجوء إلى الحسم العسكري في ذلك الربيع مدّد أَجَل الحرب الأهليّة اللبنانيّة وفوّت فرصة تاريخيّة لإقامة نظام ديموقراطي (حقيقي لا حريري ـــــ سعودي المقاس) علماني في قلب العالم العربي. لو تحقق هذا الأمر، لكان من الممكن تصدّي لبنان لعدوانات إسرائيل التي لم تتوقّف يوماً منذ عام 1948، ولكانت حدود لبنان أمنع بكثير.
وزير الإعلام في لبنان ـــــ وهو يحلم بأن يتحوّل إلى رقيب حريري أعلى للإعلام في لبنان ـــــ سخر من فكرة مقاطعة إسرائيل، وقال في تصريح لوكالة أجنبيّة إن مشاهدة الفيلم ممكنة عبر الإنترنت. ورغم معرفة متري بوجود الإنترنت ـــــ وهذا حسن ـــــ ففكرة المقاطعة هي فكرة مبدئيّة ـــــ قد تكون المبدئيّة كفكرة تعصى على وزير إعلام لبنان ـــــ واقتصاديّة أيضاً. إن السماح بعرض الفيلم سيدرّ ربحاً ماليّاً على شركة إسرائيليّة تروّج ـــــ بعلم الوزير أو بجهله ـــــ لمعايير صهيونيّة. وفي حمأة المعركة الانتخابيّة في إسرائيل، عيّر إيهود باراك منافسه ليبرمان بأنه لم يقتل ـــــ مثله ـــــ عرباً بيديه. هل يحتاج طارق متري إلى دروس في تاريخ الصهيونيّة ليفهم سبب إيمان الرأي العام العربي العميق بضرورة المقاطعة، على أقلّ تقدير؟ أم أن شروط انضمام لبنان لمنظمة التجارة العالميّة (التي شغلت رفيق الحريري) تفرض نبذ المقاطعة من أساسها؟
* أستاذ العلوم السياسيّة
في جامعة كاليفورنيا
(موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)

٢٠٠٩/٠٢/١٥

سهرة قصيرة جداً مع " لوك بيسون "



أربعين دقيقة من وقتي ضاعت مساء أمس في مشاهدة " أنجيل-أ" للمخرج الفرنسى لوك بيسون ، العائد بعد غياب سبعة سنوات في كتابة وإنتاج أفلام لا حول ولا قوة لها بين بكرات البروجيكتور في صالة عرض فارغة. أدركت نفسي و لم أستطع متابعة الفيلم فأوقفت ال DVD و عدت الى قرأة ما تبقى من الصفحات الاخيرة لكتاب أهملته على الرف منذ مدة. حقاً ، كم سخيف هذا الفيلم و مخرجه الذي نادراً ما أعُجِبت بأفلامه ( قد يشفع " ليو" أو " المحترف" له). قد يكون لوك بيسون هو المخرج الوحيد الذي يلبس ثوباً أمريكياً مرقطاً في باريس و يتباهى به أمام القلة من معجبيه ، وقد يعود ذلك الى شغفه في أن يصبح النموذج الهوليوودي من ستيفن سبيلبرغ في فرنسا أو أوروبا إن شائت - وهذا حقه في نهاية الامر. يكمُن سر الموهبة التي يتمتع بها بيسون في أنه قادر على انتزاع أي دوافع سيكولوجية لممثليه فيصبحوا مجرد مغامرين أشقياء داخل تركيبة النص سواءاً كانوا قدسين و رُسل في " الرسولة: قصة جان دارك" ( وهذا لا يشبه شيئاً في رائعة المخرج الدينماركي كارل درير " شغف جان دارك" )، أو كساعين للحصول على مادة الكون في " المادة الخامسة" أو حتى كعّميلة مزدوجة يُطلق عليها النيران و تنجو لان إسمها " نيكيتا" .

المشكلة أيضاً تكمن في أنه يتعمد التكرار في تركيبة الشخصيات و الحوار في مجمل أفلامه . الشخصيات تبدو تأهة لا تنتمي الى جذور أو هويةٍ ما ، هي شخصيات كونية إذا أردت. و كذلك الحال في قصصه التي تتخطى الحدود ولا تتقيد بفعل المكان والزمان ، ويصبح الحوار خليط عجيب من كليشيهات" الأوكي" (okay) التي لا تفارق شفاه ممثلاته الثلاثة - ذوي قصات الكاري الملون (المهضومة) - سواءاً الفتاة الصغيرة نتالي بورتمن في " ليو" (أو "المحتَرِف" في تسميته الأمريكية) ، أو ميلا جوفوفيتش في " المادة الخامسة " أو المرأة الغامضة ري راسميوسن في " أنجيل-أ" . الاعتباطية سيدة الموقف في طريقة التعاطي بين ما يدور من حراك وأقوال بين الممثلين فيبدو كماً يستجدي عطف المشاهدين من دون جدوى ، هذا من جهة و من جهة أخرى، تبدو الفتيات في عالم بيسون كمن سقطن للتو الى الارض من العدم أمام عدسته ليجدن أنفسهم بلا مأوى يبحثن عن الخلاص في صحبة شاب في ورطةٍ ما.

لكن لأكون منصف بحق المخرج قليلاً ، لا يمكن إعتباره متساهلاً في نقل مشهدية ضعيفة الى عدسة كاميرته ، فهو يتمتع ببصيرة جميلة تراعي المكونات و العناصر الجمالية للمشهد سواءاً في اللقطات الواسعة و القريبة ، تعدد زوايا الرؤية من الأسفل و الأعلى و الوسط، معالجة الالوان و تشكيلاتها و ترابط اللقطات... لكن هل تكفي تلك البصرية الجميلة في القفز على المعالجة الاساسية لفيلم ضعيف لانقاذ ما لم يسعى اليه المخرج في إدراكه منذ البداية ؟ عسى الا يتحول لوك بيسون الى ذاك الشاب المهاجر العاجز عن تسديد ديونه لعصابات تلاحقه فتأتي "أنجيل-أ" لإنقاذه من براثنهم و تغير حياته الى الابد.

لم تنتهى سهرتي عند الدقائق الاربعين ل" أنجيل-أ" و نهاية آخر صفحات الكتاب فوجدت البديل سريعاً بصحبة ياسوجيرو أوزو الى وقتٍ متأخر مع " قصة توكيو" .


٢٠٠٩/٠٢/٠٨

إصدارات حديثة لأفلام مهمة على DVD



إصدار حديث يخرج قريباً لفيلم " وحيداً عبر المحيط الهادي" (١٩٦٣) للمخرج الياباني كون اشيكاوا (ولد في نوفمبر ٢٠ لعام ١٩١٥ و توُفي في الثالث عشر من فبراير ، ٢٠٠٨) الذي عُرف من خلال كلاسيكيات السينما اليابانية منذ الخمسينيات و صاعداً في " إنتقام ممثل" (١٩٦٣) لنفس العام ، و " عازف القيتار البرمي" (١٩٥٧) الذي تُرشح للأوسكار كأفضل فيلم أجنبي ، كذلك " توكيو أولمبياد" ( ١٩٦٥) الذي شكل نقلة نوعية في إخراج الفيلم الوثائقي مشابهاً بذلك ل"أولمبياد"(١٩٣٦) للمخرجة الالمانية ليني ريفينستال التي نقلت تجاربها السينمائية عن الحكم النازي أنذاك حيث تماهت كلياً معه.
" وحيداً عبر المحيط الهادي" يروي من خلاله المخرج كون اشيكاوا قصة واقعية مقتبسة عن كتاب لكينشي هوري عن رحلة شاقة لرجل يبحر وحيداً عبر المحيط الهادي ليصل إلى شواطىء سان فرنسيسكو بعد مضّي ٩٢ يوماً في وسط المحيط متحدياً الطبيعة القاسية ، إستطاع اشيكاوا أن ينقلها عبر لقطات أخاذة و جميلة.
الاعمال التي يقدمها كون اشيكاوا تتسم بالسوداوية مع لحظات من الحس الانساني. ومن هذه التجربة ينقل الواقعية ، المتأثرة بالواقعية الجديدة للسينما الايطالية ، الى معظم أعماله السينمائية. ويُعد اشيكاوا على قائمة المخرجين الطليعين في بلاده على شاكلة أكيرا كوروساوا ، ياسوجيروا أزوا و كينجي ميزوكوجي.

ال DVD يحتوي على نسخة معدلة من اللغة الانكليزية ، دعاية للفيلم ، نسخة جديدة من مجلد عن بوستر الفيلم، صور أرشيفية من الفيلم و كتابة نقدية للفيلم.

٢٠٠٩/٠٢/٠٧

جائزة غويا الاسبانية

Camino (الطريق) حصل على الجوائز التالية في مهرجان غويا الاسباني: أفضل فيلم، أفضل إخراج، أفضل سيناريو، أفضل دور رجالي، أفضل دور نسائي، أفضل دور رجالي ثانوي.

ملخص عن الفيلم على موقع الجزيرة الوثائقية كتبه عز الدين الهيشو : "
يحكي قصة طفلة مريضة فقد الأطباء الأمل في شفائها فتلجأ إلى الجانب الروحي عسى أن تجد دواء لمرضها.. الفيلم يقدم نقداً للمجتمعات الأوروبية وخصوصا المجتمع الإسباني وانزياحه نحو المادية إذ يسعى المخرج لتشخيص المظهر الاجتماعي الذي يعاني منه المجتمع الأوروبي في عصرنا الراهن بسبب اهتمامه بالمظاهر المادية وإقصائه للجانب الروحي في سلوكياته اليومية. وقد صرح المخرج خلال تسلمه الجائزة: "أريد من خلال هذا الفيلم أن أرفع من قيمة جانب قد همشناه في مجتمعاتنا المعاصرة، ألا وهو الجانب الروحي".

٢٠٠٩/٠٢/٠٦

حتى كتابة هذه السطور لم يخرج فيلم المخرج التركي نوري بيلج سيلان " ثلاثة قرود" ( Uc Maymun) على أقراص ال DVD ، الا أنها قد تكون قريبة . للمعلومات عن المخرج و أعماله تابع هنا.

٢٠٠٩/٠٢/٠٢

هل قُلت كتبٌ سينمائية في العالم العربي ؟

هنالك أعداد هائلة من الكتب التي تدور في فلك السينما باللغات الاجنبية من فن كتابة السيناريو، الاخراج، التصوير ، المونتاج، الصوت والموسيقى في الافلام، الانتاج و صناعة السينما، فن التمثيل في السينما، كتابات و تحاليل في الفن السابع، كتب عن مخرجين قدامى و معاصرين، و الائحة تطول و تطول... و تبقى مشكلة التخلف عن مواكبة غزارة الانتاج هذه في العالم العربي سواءاً ترجمتها أو إنتاج كتب تتداول موضوع السينما بجدية ، إلا من بعض الكتب التي تصدر بين فترةٍ و أخرى من ناقد هنا أو سينوفيل هناك. فقد تم طرح هذا الموضوع سابقاً من النقاد السينمائين العرب بشكل جدي الا أنه يبدو أن إقبال القاريء يبقى ضعيفاً ( هناك من يقول أن عادات القراءة عند القارىء و القارئة العربي تختلف عن تلك المتداولة بين الشعوب الغربية ، فتداول الكتاب بين الاصدقاء أمر شائع ناهيك عن أخذ فوتوكوبي عنه). الاصدارات و المجلدات السينمائية التي تصدر خلال المهرجانات السينمائية ( مهرجان دمشق الدولي، مهرجان القاهرة، دبي و أبو ظبي، و قرطاج) فعلٌ جيد، تغني أرشيف الهيئة المنظمة و تسهم الى حدٍ ما في تثقيف الجمهور حول هذا الفن، الا أنها تبقى محدودة الانتشار خارج إطار المهرجانات.

٢٠٠٩/٠٢/٠١

تشكيلات الحياة في " كن معي"




يبدأ فيلم " كن معي " للمخرج السينغافوري "إريك كو" ( Be With Me ) بمشهد طويل لواجهة متجر يتجه صاحبه الطاعن بالسن " سيو سنغ" لإغلاقه بعد يومٍ طويل . يلي المشهد يديّن تلامس ألة الكتابة القديمة لتكتب : “ هل الحب الحقيقي موجود، يا حبيبي ؟ " وتكمل :” نعم ، إذا وجُد قلّبك الدافيء" .
هذه الُجمل القصيرة هي العنوان الذي تتمحور حوله قصص مختلفة لشخصيات تواجه الوحدة و الألم النفسي، و تبحث عن حب صعب المنال في أوقات الشدة.

الرجل المسن " سيو شنغ "، الذي يبدأ الفيلم عنده، نراه يتدبر شؤونه اليومية: من الاستيقاظ باكراً الى إعداد الفطار و الجلوس لتناوله ومن ثم الخروج لتبضع لحاجيات الطبخ . زوجته الراقدة من شدة المرض ، يحاول قدر المستطاع الاعتناء بها و إعداد الأطباق لها للتخفيف من آلامها.


أما في القصة الثانية فهي تدور حول رجل يدعى " كو السمين" الذي يعمل كحارس في إحدى الشركات الكبرى و أثناء عمّله يتابع سيدة الاعمال التي يعشقُها من على شاشات المراقبة ، لكن عدة أسباب تحول دون لقائه بها، فهو شاب خجول و غير قادر عن الافصاح عن مشاعره ، هذا ما عدا الفارق الاجتماعي الشاسع بينهما. فمجرد كتّابة بضعة سُطور من رسالة الإعجاب يعاني الكثير ، و في أقات فراغه يسُرق النظر في مراقبة محبوبتُه داخل شقتها الفاخرة.

في حين ننتقل الى شاشة الرسائل الاليكترونية و"جاكي"، سحاقية الميول ، تتعرف على محبوبتها الجديدة حيث يتبادلن الرسائل و يتباحثن في كيفية اللقاء سوياً . تأخذ علاقتهن القصيرة نهجها الطبيعي لاي علاقة حب ، لكن سرعان ما يعتريها الجفاء و تبُدل المواقف . علاقة تغلف برسالة ال sms تتحكم المزاجية العاطفية إما بالرد عليها أو بشطبها من القائمة.

يعّمد المخرج "إريك كو" الى توظيف هذه العلاقات الشائكة ضمن الاطار الدرامي للفيلم. السياق الدرامي و المتداخل من قصة الى أخرى يأخذ محطة أخرى ليُوثق من خلالها السيرة الذاتية لإمرأة تدعى " تريسا شان " التي يعود لها الفضل لاستلهام المخرج لنص الفيلم ، كما جاء في جينريك المقدمة ، و لكونها تعاني من فقدان حاستي البصر والسمع فلديها العزيمة على مقارعة اليأس و العجز ، وتواصل حياتها بشكل طبيعي.

اليوميات البسيطة ل "تريسا شان" هي ترجمات تكتب على أسفل الشاشة لفهم ما تقوله عن حياتها و من خلال ما تذكره في كراسها عن الاشياء العزيزة على قلبها التي إسّتمدت منها الارادة لمجابهة إعاقتها. ومنها تصل مذكراتها الى أيدي الرجل المسن " سيو" الذي ينكب على قرائتها بشغف.
فهذه المفاهيم والمفردات الجديدة تجد تحولات داخلية لديه :عن كيفية الخروج من عزلته، الى تعامله مع تدهور صحة زوجته ، وصولاً الى إتقانه لأطباق جديدة تجد طريقها في نهاية الامر الى مائدة "تريسا".

المخرج " إريك كو " يعتمد الاسلوب البسيط في سرد أحداث الفيلم بلغة واقعية و مليئة بالاحاسيس و قريبة الى التجسيد الشخصي للممثلين داخل الاطار الدرامي ، و يعمد أيضاً من خلال كاميرته الى استعمال الكادر الثابت و اللقطات القريبة و المتوسطة في محاولة منه لتقريب المشاهد للتفاعل عن قرب مع ما تعانيه الشخصيات من وحدة و ألم داخلي و تشتت.

الكثير من الرمزيات و الكودة يعتمدها المخرج، بشكل متقن و حرفية جمالية ، في سياق الفيلم و أجمل ما يكون في مساحات الصمت التي هي أسلوب حياة لدي شخصيات الفيلم، والذين تخالهم قد فقدوا القدرة عن الكلام من زمن ليس ببعيد ؛ فالشابة " جاكي " تّعبر عن حبها لمحبوبتها عن طريق الرسائل الهاتفية و من على شاشة الكومبوتر ، أما " كو السمين " الذي يقظي جُل وقته في الاستمتاع بتناول وجباته في المطاعم ، يسُرق النظر في مراقبة محبوبته الافتراضية عن بعد و بصمت معتمداً على حركات جسده و تعابير وجهه لترجمة مشاعره.
في حين أن الاطباق التي يعدها "سيو شنغ" تُعّبر بإخلاص عن التبدل في مزاجيته.



المونتاج مشغول بحرفية من خلال التقطيع الذي يواكب التنقل الدرامي و ليس التسلسل التدريجي ذو الخط الافقي في السرد الدرامي، فيأخذ المواكبة التشخيصية بتوازي مع مثيلتها من الاحداث تباعاً لكل شخصية في الفيلم. الانتقال من لقطة الى ما يتبعها زمنياً (سواءاً في وقت النهار أو الليل) في اللقطة الثانية يفصلهما أحياناً بلقطة ثالثة للمدينة ضمن الكادر الواسع. هذا و يتم إبراز المكان كعنصر فاعل في التركيبة الاجتماعية للشخصيات. فمثلاً، يتم إختيار اللقطات التي تحكي وحّدة الرجل المسن " سوي شنغ" كالتالي: ينهض من سريره ، يتجه الى المطبخ داخل الرواق الضيق ، لتعود اللقطة من جديد الى سريره الفارغ حيث نجده في الخلفية يأخذ حاجياته من الثلاجة. بينما "كو السمين" ، الذي يقطن مع شاب يعامله باحتقار ، ليجد سعادته خارج جدران المنزل. بالاضافة، لما ذكرته سابقاً من الخلط بين الاحداث الرواثية و الوثائقي، تبرز اللقطات المأخوذة ل " تريسا شانغ" في معهد تعلم اللغة و داخل منزلها حيث تعد طبقها صباحاً و تجلس للكتابة مما يأخذ وقتاً طويلاً في منتصف الفيلم . فالصورة و الصوت و المونتاج ، كلها مجتمعة ، تخّلق إحساس تفاعلي لدي المشاهد و تُغّني سيرورة الاحداث ضمن اطار الفيلم.

فيلم "كن معي" يأتي ليقول أن الأشياء تتكامل في وجود من يخفف عنا أعباء الحياة بتجّرد جمالي مُتشعبٌ للقطات معبرة و غنية.

ما أن تدخل الى عالم قاطني المدينة الحديثة ( سواءاً كانت سينغافورة ، توكيو ، برلين أو أي بقعة في العالم الحديث ) المضطرب بهدوء ، لا يسعك الا أن تخرُج بإنطباع أن هناك أشياء كثيرة في الحياة تحتاج إلى تأمل و تأني في قرائتها. هذه هي الحياة المليئة تارة بلحظات السعادة و تارةً أخرى بالخيبات و شظف الحياة.

يمكنكم الحصول على الفيلم عن طريق : www.filmmovement.com


من الاعمال المشابهة :

Magnolia
Babel
Me and You and Everyone we Know