٢٠٠٩/٠٢/٢٦

مقابلة / " آلشيطان في الداخل "


هنا مقابلة أجراها الناقد السينمائي (نيك جايمس) من صحيفة "سايت أند ساوند" في عددها الصادر لشهر مارس 2008، مع المخرج التركي نوري بيلج سيلان تحت عنوان " الشيطان في الداخل"
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
يتحدث نوري بيلج سيلان عن كوابيس توقض و شعور بالذنب يُأرق شخوصه مع نيك جايمس
المسيرة المتأنية للمخرج نوري بيلج سيلان تأتي من تجربة المصور الفوتغرافي سابقاً التي من خلالها يبني أعماله بشكل عضوي ، مستعيناً بأفراد من أسرته وأصدقائه. في فيلمه الاخير ، "أجواء"، الجميل في صرامة تلاشي العلاقات، يقوم بأداء الدور بنفسه بمحاذاة زوجته إبرو. هذه المرة، في " ثلاثة قرود" ، يتحرك مجدداً، كمحّترف لا يهدأ له بال، لمعالجة ميلودرامية للحرقة البطيئة للذنوب.

سيرفيت ، رجل أعمال طامح لتبوء السياسة، يقتل أحد الاشخاص في أحد الليالي في عملية كر و فر. يُقنع أيوب الذي يعمل كسائق لديه بالتواطأ مقابل مبلغ كبير من المال. زوجة أيوب ، هاسير، المنهكة من مشاكل ابنها إسماعيل تذهب الى سيرفيت لطلب المساعدة في شراء سيارة لابنها. و في وقت قصير تنشىء علاقة شبق بينهما تفضي لاحقاً الى غرز بذور جريمة من نوعٍ آخر.

جرى تصوير معظم مشاهد الفيلم في شقة محاذية لسكة الحديد ومطلة على بحر مرمرة، و يستلد " ثلاثة قرود" جواً مشبعاً بالحزن مصنوع من عواصف رعدية و سماء قاتنة بالون القرنفلي. هو خلاصة ما توقعناه تماماً من مشاهدتنا لجميع أفلام سيلان.



نيك جايمس: في " ثلاثة قرود" الحالة النفسية للشخصيات لها علاقة كاملة بالخطيئة و الذنب - فهي تحدد مسار الرواية بطريقة غير عادية.
نوري بيلج سيلان: أتسائل عن دور الشر. أنا أخاف عندما يفرض علي بقوة. فأحاول خلق موقف ما حين يفاجأنا الشر المضمور في داخلنا. على سبيل المثال، الولد عادةً لا يضرب أمه ، لكن هنالك بعض الحالات التي لا يستطيع السيطرة على نفسه.

ن. ج: هل هنالك خصوصية تركية للحالة التي يصفها الفيلم ؟
ن.ب.س: لا. يمكن أن تحصل في أية مكان. على سبيل المثال، من وجهة نظر عامة ، عندما يعلم أيوب بخيانة زوجته ، تكون ردة فعله - مجرد نظرة - قد تبدو غير عادية في تركيا. لكن حينما يخفي أيوب ما يعلمه ، لن يدري أحد بالامر. هذه الاشياء تحدث عادةً، لكننا نقرأ عنها في الصحف حين ينتقم الزوج عن طريق القتل. في هذه الحالة، الشخص الوحيد الذي يعلم قد قُتّل ، لكن اذا علّم رفاق أيوب ، فلن يكون بوسعه مسامحة هاسير (زوجته) ، لانه حينها سوف يشعر بالاهانة لبقية حياته. هذه السيكولوجية تنتمي لطبيعة البشر و ليس لثقافة معينة، لكن بالتأكيد طريقة السلوك يمكن أن تكون غالباً تركية.

ن.ج : أفلامك السابقة لم تجنح عادةً الى التشويق.
ن.ب.س : الشخصيات هنا تُبحر في الغموض و تعقيدات الموقف، فيحاولوا كسب المزيد من الوقت للتفكير ، مما يخلق التشويق. و على سبيل المثال ، لا أعمد الى إفصاح الكثير عن من قتل سيرفيت، و بذلك أكون قد خلقت المزيد من التشويق.

ن.ج : و أيضاً يبدو العمل أكثر تعبيرياً.
ن.ب.س : ليس لدي علم بذلك و غير قادر على أن أرى بعيون المشاهدين. بالنسبة لي هو بناء تقني . لكنه كان علينا أن نكون حذرين في خلق نوعاً من النبرة المتوازنة لانني لا أريد أن يساء فهمي. هنالك الكثير من الاشياء على المشاهدين انتقائها حول ما تشعر به الشخصية.

ن.ج : ما هو أول مشهد يأتي في البال ؟
ن.ب.س : مشهد الابن يضرب والدته . هذا الشيء رأيته يأتي من الغيرة ، و هذه من أكثر الاشياء المريرة التي قد يشاهدها الابن في الثقافة التركية. الام هي بمثابة الاله. يجب أن يكون هناك مبرر قوي لتفسير ضربها. تالياً يصبح الاب بالسجن.

ن.ج : مشهدين في فيلم "أجواء" قد يأتين من أفلام الرعب. والآن في " ثلاثة قرود" لديك الطفل الشبح.
ن.ب.س : أنا عادةً في حالة ما بين النوم و الاستيقاظ ، وهنالك ترى أشياء فظيعة. عندما أضع الطفل الميت في الفيلم ، لم أكن أدري على أي شاكلة سيظهر. في بداية الامر لم أكن أريد أن يظهر وجههه - مازلت غير متأكد من هذا الامر - لكنني حسبت أن زياراته ستساعد على جمع أفراد الاسرة. هو يثير عقدة الذنب فيهم ، فيظهر حين يفقدوا الامل أو عندما تزداد جراحهم. فيبدو تارةً كمن يقدم النصائح و تارةً أخرى من يحذرهم فيها.

ن.ج : لماذا لا يظهر الابن لهيسر ؟
ن.ب.س : لقد صورت هذا ، لكن عند المونتاج شعرت أنه يجب أن يأتي لؤلائك المليئين بالذنب عن مقتله. إسماعيل كان هنالك عندما غرق ولم يحرك ساكناً لانقاذه. النساء بارعات في إيقاظ الذنب لدي الرجال. إذا كانت هيسر أمي ، لكان لازاماً على اسماعيل توبيخ نفسه طيلة حياته.

ن.ج : كيف إخترت أماكن التصوير ؟
ن.ب.س : المنزل أقلقني كثيراً بسبب ضيق المساحة وقد يخلق نوعاً من الكآبة في الفيلم . لم نستطع أخذ زوايا مختلفة وكان علينا الاستعانة بالغرف المجاورة لأخذ اللقطات. ولم أكن أريد للمنزل أن يكون قرب البحر لأنه سيبدو جميلاً و في نهاية الامر إضطررنا أن نكون هناك لانني أريد سكة الحديد. اخترت المنزل لكيفية تناغم البلكون مع الداخل. وقد منحني الحرية لصياغة مشاهدي.

ن.ج : ما سر صرير الابواب ؟
ن.ب.س في السابق : أستعمل الصرير بدلاً من الموسيقى ليثيروا القلق و التشويق. لدي إحساس بهم و أجمع شتى الانواع . وقد يكون بعضها مؤلماً. في السابق كنا نعيش بمنزل خشبي قديم ملييء بضوضاء الصرير. فاذا كان ثمة ريح ، يكون الداخل كالسيمفونية. ولفهم هذا الشعور بالريح مع نهاية الفيلم ، حين ينتهي الصيف و يحل الخريف ، عمّلت على زيادة هذه الاصوات.

ليست هناك تعليقات: