٢٠٠٩/٠٢/٢٣

عندما لم أشارك في أكل المشمش



خلال متابعتي لدراستي الجامعية بولاية آلاباما ( الغير معروفة بالانتاج السينمائي ، سوى من بعض ما أتى من هوليوود لتصوير مشاهد ما هنا وهنالك عن تلك العنصرية المقيتة التي عرُفت بها ، ومن بعض محاولات ذوي الشئن الفني في جذب الانتاج الى الولاية بعد نيلها عروض مغرية من ولايات منافسة و مجاورة كجورجيا مثلاً) ، عرّض علينا مدرس الانتاج السينمائي اذا كنا نرغب في المشاركة بفيلم طويل ينتج محلياً وبموازنة متواضعة. بادرت آنذاك للموافقة سريعاً ولاحقاً إجتمعنا بالمخرج المغمور، الذي حط رحاله من هوليوود بعد مشاركته كمساعد مخرج في أحد الافلام العديدة على ما ذكّر. في منزله التقينا بعدد كبير من الطاقم الفني و الممثلين و كنا من بين طلاب الافلام المتحمسين. بعد التعرف و المزاح و أكل الحلوى في منزل والديه (الذين لهم حصة الاسد في دفع مبالغ ما دعماً للفيلم) الذي تحول الى ورشة عمل. بعد إطلاعنا على السيناريو الذي عمل عليه المخرج بمساعدة أحد القادمين الجدد في كتابة السيناريوهات المحليين، برز التشابه الكبير (أو قُل محاولة ما) بين القصة و ذاك الفيلم للمخرج السويدي ، المقيم في الولايات المتحدة ، لاسي هالستروم (الذي ترشح و زوجته للاوسكار كأفضل اخراج عن فيلم " حياتي ككلب" (١٩٨٥) عن فيلمه الباهر " ما الذي يأكل عنب غيلبرت " (١٩٩٨) والذي أدى الادوار فيه كل من جوني ديب و ليوناردو دي كابريو و جوليت لويس ، ترشح عنه ليوناردو دي كابريو للاوسكار كأفضل ممثل مساند.

محاولة ذاك المخرج الطموح ( تخونني الذاكرة حالياً عن تذكر اسمه أو حتى اسم فيلمه مع انني حاولت البحث عنه على غوغل من دون نتيجة ) لخلق عالم غيلبرت . ذاك العالم البسيط في قرية فقيرة لاهل طيبين و طموحين ، و لعائلة تتكون من أخين و أختين ووالدتهم التي تعاني السمنة الزائدة ولأب هجرهم و لم يعد موجوداً في حياتهم. الشقاء يلازمهم في تأمين سبل العيش ، والكل يتكل على غيلبرت ( للرائع جوني ديب )، الذي يعمل في البقالة المتواضعة، في تأمين حاجياتهم اليومية ، و في رعاية آرني ( ليوناردو دي كابريو في دور كما لم تراه سابقاً) المختل عقلياً و الذي يثير المشاكل مع الشرطة كلما تسلق برج المياه، و في الاهتمام بمنزل متهالك و أرضية مثقلة من جراء الوزن الثقيل لام جميلة غير قادرة على المشي طويلاً و خجولة من نظرات الناس تجاهها (يعتبر من الاكثر الافلام جديةً في تسليط الضوء على مشكلة الوزن الزائد التي يعاني منها الامريكين ).

فيلم هذا الشاب لم يفضي الي شيىء يُذكر على مستوى السيناريو . فهو يبدأ بمشكلة قرية نائية يحاول كل فرد الاكتفاء بقوته اليومي و العيش بسلام أو حتى من بيع المشمش التي تشتهر فيها منطقتهم. و نطراً لموقع قريتهم المميز فتفتح شهية حيتان الشركات الكبرى ، كما هو الحال في " ما الذي يأكل عنب غيلبرت ؟ " حين يغزو السوبرماركت الضخم منطقتهم ( هذه حال المدن الامريكية حين يغزوها "الول مارت" الضخم ليأكل الاخضر واليابس و يترك الفتات لاصحاب المتاجر الصغيرة التي سرعان ما يغلقوا أبوابهم أمام المنافسة الغير متكافئة ) حيث المتاجر المتواضعة بما تقدمه لزبائنها و صعوبة المنافسة فيذهب غيلبرت في أحد الايام لاستكشاف السوبرماركت و يخُرج بقالب الكاتو، إيفائاً لعيد ميلاد أخيه أرني، ولدي خروجه من السوبرماركت يقع في الحرج لدي مفاجئته لرب عمله ينظر اليه. أما فيلم صاحبنا فلا يأتي على أي من تلك اللحظات المعبرة ، بل يحولها من قصة قصيرة الى صراع أشقياء على شاكلة الطيب ( التجار المحليين ) و الشرير
(ممثلي الشركات الكبرى ).

الدقائق الاولى للفيلم تبدأ عن الحياة الهانئة لأصحاب القرية و نسيجهم الاجتماعي المُطعّم بالفكاهة و يتحول مع مرور الوقت الى لعبة سخيفة وغير مقنعة من المواجهات المصطنعة و لعبة الكر والفر و في نهاية الامر لا تفضي القصة الميلودرامية الفاقعة الى شيىء سوا الى ضحالة السيناريو و إفتقاره الى مقومات النهوض بالفكرة الى مستوى فني لائق ، فتجده تحول الى شبيه بتلك الافلام التي اسطلح على تسميتها " بي موفيز" أو (الافلام الثانوية).

على ما أذكر ، أني إعتذرت يومها عن المشاركة بالفيلم لعدة أسباب منها عدم اقتناعي بجودة العمل و النص و انشغالي بالتحضير لمواد أخرى. أي أنني لم أشارك بأكل المشمش و إكتفيت بمشاهدة الفيلم لاحقاً بعرضه باحدى صالات متحف الفنون المعاصرة ، حيث التقيت مدرسي (أخذت معه عدة فصول من أجملها " السينما الامريكية : المجتمع و العنف " ) الذي اخبرني عن مدى تفاهة الفيلم و أنه سيتجاوزه الليلة بالاستماع الى بعض اسطوانات الجاز التي وصلته حديثاً.

ليست هناك تعليقات: