٢٠١٠/٠١/٠٦

لحظات عابرة: مخرجيين في قلب الصراع السياسي


قالها المخرج الكبير عباس كيروستامي: " صنع فيلمه بالسر و من دون موافقة السلطات و قرر الفرار من بعدها !" . هذا النقد وجهه كيروستامي ، صانع الشاعرية و رموزها في السينما الايرانية ، الى بهمان غوبادي ، مخرج "لا أحد يعرف عن القطط الفارسية " (No One Knows about Persian Cats) و الذي نال عليه استحسان الغرب (طبعاً!) و نال عنه جائزة النقاد في مهرجان كان للعام الفائت (وأيضاً طبعاً!).

و لعل النقد هنا قد يطال المخرج محسن مخملباف الذي يشن هجوماً متواصلاً على الحكومة الايرانية من منفاه الجديد في أوروبا، حيث تحول من صانع أفلام الى المتحدث الرسمي باسم المعارضة في الخارج. علماً أن مخملباف ، الذي تمتد تجاربه السينمائية من فترة الثمانينات الي الوقت المعاصر الذي منعت فيه أفلامه بعد أن كانت محوراً للحفاوة بها، كان قد سُجن في أيام الشاه اثر محاولته نزع سلاح شرطي ، شارك من بعدها في الثورة الاسلامية ضد هذا الحكم ، و لاحقاً تم تعينه من قبل النظام الاسلامي في مجال مراقبة الاعمال السينمائية ، الى أن قرر أن الاوان قد آن للانقلاب على الانقلاب.

المخرج جعفر بناهي ( الذي يأتي فيلمه السابق " الذهبي القاني " من سيناريو المخرج عباس كيروستامي . و هو فيلم سوداوي يحكي حياة الشاب حسين الذي يجد الاحباطات الكثيرة من خلال عمله في توصيل البيتزا يكتشف التناقظات و التفاوت الطبقي ، حينها يقرر السطو مع زميله على أحد محلات المجوهرات) الذي لا يجد من يحتفي بأعماله في الداخل أكثر من الخارج ، يقف بين جمهور المهرجانات ليطلب من لجنة التحكيم ارتداء شارة خضراء كرمز للمعارضة ضد حكم أحمدي نجاة وزمرته.

لكن اليس من حق هؤلاء التعبير عن أرائهم وأفكارهم كيفما شائوا وبكافة الوسائل المتاحة لديهم ؟ اليسوا هم جزءاً من مكونات المجتمع و يعكسون بأعمالهم تلك بعض الحالات التي يعانيها المجتمع ؟ الحرية شيء يملكه كل فرد و لا يحق لاحد انتزاعه منه و هي بالتالي حق مكتسب ، و لكل فرد من أفراد المجتمع حرية التعبير بالاساليب التي تعكس وجهة نظره . الا أن مشكلة تقع في الجهة المقابلة ، و بالتحديد مع بعض الاشخاص في اوروبا و آمريكا و في الصورة النمطية التي يريد الباسها على تلك الشعوب و لا يريد غير ذلك ، هو يريد حقاً أن يرى صورة المرأة النمطية لانها تثير لعابه و تخلق لديه تخيلات و تخيلات واسعة و عليه تغذيتها بالقدر اللازم لارضاء نزواته. يريد الثورات و الحروب التي لا تهدأ في بلاد العالم الثالث لانها تشكل مشروعاً للتدخل في شؤون تلك الدول - و الذي أصبح مادة يومية للسفارة الامريكية و المتسولين على ابوابها - أو من تلك المنظمات التي لا نعرف بالتحديد مصادر تمويلها. لكن السؤال الجوهري الذي يعيد طرح نفسه : ماذا قدمتم في المقابل لضحد هذه الصورة النمطية ؟ لا أعتقد الكثير !

الثقافة الايرانية حية و متفاعلة و نسبة الشباب المتعلم كبيرة و كذلك طموحاتهم ، و على قدر تلك الطموحات فهم يتطلعون الى نظام حكم عادل و متطور قادر على ايستعاب تلك الطموحات ، و عندما لم يأتي ذلك النظام على قدر تطلعاتهم انتفظوا عليه في شوارع طهران ، لكن لحساب زعماء معارضين ، ان نظرت ملياً في تاريخهم السابق تجدهم أكثر سوءاً في مجال حقوق الانسان و الفساد الاداري ( و طبعاً امريكا و بريطانيا - اللاعبان الرئيسيان في تلك التظاهرات - ليس لديهما مشكلة مع هذا أو ذاك ، طالمة أن مصالحهم مصانة . هم يريدون الطاعة من النصف الباقي ، و لا يهمهم لا ديموقراطية ولا بطيخ) ، و هكذا جاءت الثورة المخملية للمخرجيين مع نبض الشارع في مواجهة أنصار النظام.

: بهمن غوبادي :

هل أن السينما الايرانية تشهد اليوم مسيرة مختلفة عن سابقتها ، بعد أن شهدت صعوداً ذهبياً لفترة من الزمن ثم ضموراً عاد ليصحوا من جديد في أشكال تعبير جديدة ؟ ليست المسألة بهذا الشكل ، قد يكون المخرج بهمن غوبادي قد أخفى كاميرته و لم يأخذ اذن أحد عندما جمع عدداً من الشبان المتحمسين للغناء على طريقة الراب و الهيب هوب خلف اسوار مدينة طهران المقتظة ، حينها لم يكترث السيد غوبادي كثيراً للجمهور الذي تركه خلفه ، اراد الحصول على استحسان الجماهير الخارجية و ليس جمهوره و مريديه ، لان هؤلاء في طبيعة الحال سيتسنح لهم الحصول على شريطه هذا عن طريق السوق السوداء أو عن طريق الانترنت.

ليست هناك تعليقات: