٢٠٠٩/٠٥/٠١

المحادثة عن قرب

هناك مثل يقول " من راقب الناس مات هماً " ، و هذا قد ينطبق على حال هاري كول (جين هاكمن. Gene Hackman) في فيلم المخرج فرانسيس فورد كوبولا " المحادثة" (The Conversation. 1974)، حيث تقتظي مهنته مراقبة الاشخاص ، و حين يكلفه رجل أعمال لمراقبة زوجته التي تخونه مع رجل أخر، تنقلب أموره رأساً على عقب .

جاء ظهور هذا الفيلم أثناء حمى فضيحة نيكسون و احتدام الجدل حول انتهاك خصوصية الاشخاص عبر التنصت على أمورهم الشخصية ( حتى لا ننسى استعادتها من جديد في الحقبة البوشية ،السيئة الذكر، وفق حجج واهية).

الامر المثير في هذا الفيلم هو طريقة مونتاج الصورة المرافقة للصوت المشغول بحرفية . تعقيدات المشهد مرافق مع ميكساج الصوت بين من هو مراقب و مراقبه. و قد استحق هذا الفيلم جائزة أفضل مونتاج و ميكساج من الاكاديمية البريطانية للسينما (BAFTA) اعطيت للمونتير ، والتر مورخ (Walter Murch) نظراً لجهوده الاستثنائية في انجاز هذا العمل.

والتر مورخ شغوف بعمله ، و هو الذي كان يقظي ساعات الليل خلف ماكينة التقطيع (كيم) برفقة صديقه المخرج كوبولا ، و في بعض الاحيان حين كان يداهمه التعب كان يستلقي على طاولة تقطيع الافلام ، كما روى فيليب كوفمان (Philip Kaufman) عنه. كان مورخ ينسج علاقة حب بينه و بين الافلام التي كان يترك لمساته فيها، و هذا ما يعبر عنه بصدق في كتابه " في لمحة بصر : نظرة على مونتاج الافلام " .

افتتاحية "المحادثة" هي تأسيس فعلي لمسار الفيلم من خلال سياق الاحداث ، يبدأ عندها الفيلم ليشي في لقطات متتابعة للعمل المحترف لفريق التجسس.

الافتتاحية المتسلسلة لبداية الفيلم تقتصر على ٩ دقائق تجتمع فيها العناصر المكونة لمسار الفيلم:

1. افتتاحية الفيلم : لقطة واسعة ل هاري كول (جين هاكمن) يتجول في البارك . اللقطة تحدد المكان : ساحة عامة يتجول فيها أهل المدينة. يبدو هاري للوهلة الاولى متجولاً في يوم مشمس و جميل.

2. لقطة واسعة و بعيدة لقناص يحاول اقتناص ضحيته عن بعد.

3. من ثم نقترب من خلف " القناص" الذي بات يثير فضولنا عن طبيعة عمله.


4. لقطة مقربة من الامام : القناص يحاول اقتناص الكلمات .

5. هنا نتعرف عن المستهدف من التنصت. رجل و امرأة ، عشيقين ، يبدوان ضمن دائرة التصويب لكشف ما يدور بينهما من حديث .

6. لقطة عامة للمكان لتذكير المشاهد بالزمان و المكان حيث تدور الاحداث. الاحاديث ما بين العشيقين ما زالت مستمرة على اختلاف المشاهد.

7. اللقطة التالية ، تجمع عدد من الشخصيات ضمن الكادر : عازف الساكس في المقدمة يعزف للمارة، في حين يتحرك العشيقين في الخلفية و نلاحظ تجوال هاري على مسافة قريبة منهما.


8. في الواجهة الامامية ، يظهر شخص آخر يثير الشبهة ، في حين أنه ينتمي الى فريق المراقبة.

9. لقطة متوسطة لهاري و قد وجد كرسي للجلوس و ليتمكن من استراق النظر بشكل أفضل.


10. من ثم لقطة متوسطة للعشيقين و هما يتحادثان بأمور عادية ، و في بعض الاحيان يبدو حديثهما مشوش وفقاً لترددات الصوت.

11. هاري ينسحب من المكان و يتجه الى الفان المركون على ناصية الطريق.

12. هنا نتعرف الى ما بداخل الفان من آلات تنصت حيث يتم تسجيل المحادثة.

13. جون كازال (John Cazale) هو من يجلس في الفان ، و يبدو هاري (هاكمن) حائراً بينما يستمع الى المحادثة.

14. عنصر اضافي يدخل ضمن الكادر: فتاتان تأتيان من الجهة الأخرى للشارع و تجذبهما مرآة النوافذ و قد وضعن أنفسهن ، من غير أن يدركن ، تحت أعين المراقبين.

15. المشهد يجمع بين ثلاثة عناصر : صوت المحادثة الآتي من أجهزة التنصت. ثرثرة ماكس و هاري و تلك الاصوات البعيدة للفتاتين و هن يضعن مساحيق التجميل.

16. لقطة قريبة : ماكس ( جون كازال ) يأخذ بكاميرته لقطات للفتيات.

17. و عودة من جديد الى الفتيات.

من بعدها يغادر هاري الفان و ينتهي عندها المشهد.



ليست هناك تعليقات: